سرٌ مدفون منذ 310 ملايين عام: حضانة قروش من العصر الكربوني تظهر للضوء بعد كل هذه السنين

3 د
اكتُشفت حضانة قروش عمرها 310 ملايين عام في منظقة "مازون كريك" بولاية إلينوي الأميركية.
أعاد العلماء تصنيف أحافير صغيرة كانت تُعتبر نوعًا جديدًا، واعتبروها صغارًا لنوع بالغ عاش في الأنهار.
عاشت قروش Bandringa في المياه العذبة لكنها هاجرت إلى السواحل البحرية لتضع بيضها.
يشبه سلوكها ما تفعله القروش المعاصرة، مما يدل على أن سلوك الحضانة الساحلية قديم جدًا في سجل الحياة البحرية.
في اكتشاف علمي استثنائي، تمكن فريق من العلماء من الكشف عن آثار حضانة لأسماك قرش تعود إلى نحو 310 ملايين سنة، على ضفاف بحر قديم كان يغمر جزءًا واسعًا من منطقة الغرب الأوسط الأميركي.
تعود هذه الحضانة إلى عصور ما قبل التاريخ، وقد تم اكتشافها ضمن تكوين "مازون كريك" الجيولوجي في شمال شرق ولاية إلينوي، حيث وُجدت أحافير لأسماك قرش صغيرة الحجم مع بيضها الملتف الحلزوني، في موقع قد يُعيد رسم ملامح سلوك التكاثر لدى أسلاف القروش.
اكتشاف في قلب "مازون كريك"
تعود القصة إلى عام 1969، عندما عُثر لأول مرة على أحافير لأسماك قرش تُعرف باسم Bandringa، كانت صغيرة للغاية بطول لا يتجاوز 10 إلى 15 سنتيمترًا، مما دفع العلماء آنذاك للاعتقاد أنها تنتمي إلى نوع جديد بالكامل، وأُطلق عليها اسم Bandringa rayi. لكن مع مرور الوقت، وخاصة بعد اكتشاف مزيد من الأحافير عام 1979 في أجزاء أخرى من الموقع ذاته، بدأت الصورة تتغير.
اللافت في الأمر أن تلك الأحافير وُجدت في بيئة مستنقعية شبه مالحة، أي بين المياه العذبة والمالحة، ما أوحى بوجود بيئة تكاثرية خاصة كانت تلجأ إليها أسماك القرش لوضع بيضها بعيدًا عن المفترسات.
في العام نفسه، عُثر في ولاية بنسلفانيا على أحفورة لقرش بالغ من نفس النوع بطول يقارب ثلاثة أمتار، كان يعيش في أنهار المياه العذبة، وهو ما قلب الفرضيات السابقة رأسًا على عقب، ودفع الباحثين إلى إعادة النظر في التصنيفات التي كانوا قد اعتمدوها.
تفسير علمي جديد: نوع واحد وسلوك معقّد
في دراسة نُشرت حديثًا في دورية Journal of Vertebrate Paleontology، قدّمت عالمة الأحافير لورين سالان من جامعة ميشيغان تحليلًا معمقًا لهذه الحفريات، واقترحت أن كل الأحافير المكتشفة — سواء في البيئات المالحة أو العذبة — تعود إلى النوع ذاته من أسماك القرش.
واستندت سالان في فرضيتها إلى الفروق في أنماط التحجّر بين البيئتين: ففي البيئات البحرية، حُفظت الأنسجة الرخوة بشكل ممتاز دون بقاء الهيكل العظمي، أما في المياه العذبة، فقد تم الحفاظ على الهياكل الداخلية مع غياب الأنسجة الرخوة. وتوضح سالان:
"عندما تأخذ في الحسبان اختلاف ظروف التحفظ، لا يتبقى أي فرق حقيقي بين العينات"
هذا الاكتشاف يوحي بأن قروش Bandringa مارست استراتيجية تكاثرية متقدمة، حيث قضت معظم فترات حياتها في المياه العذبة، لكنها كانت تهاجر إلى السواحل البحرية الضحلة لتضع بيضها في أماكن تحمي صغارها من المفترسات الأكبر.
فهم جديد لحضانات القروش القديمة
ما توصل إليه الباحثون يؤكد أن سلوك حضانة القروش في المياه الضحلة لم يكن وليد العصر الحديث. فاليوم، تعتمد معظم أنواع القروش المعروفة على المياه الساحلية الضحلة كملاذ لصغارها، بسبب قلة المفترسات الكبيرة في تلك المناطق، وهو سلوك يبدو أن قروش Bandringa كانت سبّاقة إليه.
تقول سالان، مشيرة إلى أن هذه البيئات الضحلة توفر لصغار القروش بيئة آمنة للنمو بعيدًا عن التهديدات:
"اليوم، تعتمد أغلب القروش وأسماك الغضروف القريبة منها على أماكن حضانة ساحلية"
قروش "Bandringa": سمات دفاعية وقدرات استشعار متطورة
امتلكت هذه القروش صفات مميزة جعلتها مناسبة للعيش في قاع البحار والمياه العكرة. فقد كانت تتغذى عبر التقاط الطعام من القاع، مستخدمةً أنوفها الطويلة التي تأخذ شكل الملعقة والمزوّدة بمستقبلات كهربائية متطورة للكشف عن الحركة والفريسة.
أما أجسادها، فكانت مغطاة بحراشف مدببة حادة، إضافة إلى أشواك طويلة على الرأس والخدين يُعتقد أنها لعبت دورًا دفاعيًا ضد المفترسات. إن حفظ هذه التفاصيل الدقيقة، من الأنسجة إلى العظام، أتاح للعلماء فرصة نادرة لدراسة التطور المبكر لأسماك القرش، مما يمنحنا لمحة فريدة عن حياة كائنات سبقت الديناصورات نفسها.