شابٌّ يربك عمالقة التكنولوجيا بأداة ذكاء اصطناعي بسيطة… الاختبارات التقليدية بخطر

4 د
تُظهر هذه القصة احتمال انهيار جدوى الاختبارات التقنية التقليدية في ظل تقدّم الذكاء الاصطناعي.
تؤكد شركات مثل أمازون التزامها بسياسات تحظر اللجوء إلى أدوات غير مصرح بها أثناء المقابلات.
يعتزم روي لي الانسحاب من جامعة كولومبيا بعد مواجهة اتهامات بالغش في مقابلات التوظيف.
يرى بعض المراقبين أنّ التطور المتسارع في الذكاء الاصطناعي سيجبر قطاع التوظيف على اعتماد أساليب تقييم جديدة ومرنة.
تتسارع وتيرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في عالم التوظيف يوماً بعد يوم، ما يثير تساؤلات متزايدة حول فاعلية المقابلات التقنية الصارمة التي تتبنّاها كبرى شركات التكنولوجيا المعروفة باسم FAANG. وتُظهر قصة الطالب روي لي من جامعة كولومبيا أنّ أدوات الذكاء الاصطناعي قد تغيّر بشكل جذري أساليب اجتياز الاختبارات البرمجية، وربما تنسف أهميتها بالكامل في المدى القريب.
تقدّم تجربة روي لي مثالاً حيّاً على التطور المتسارع الذي يشهده قطاع التوظيف في مجالات التكنولوجيا المتقدمة. فعلى الرغم من الشروط التقليدية الصارمة التي تفرضها الشركات الكبرى عند اختبار المرشحين لمناصب البرمجة، توصّل لي إلى ابتكار أداة ذكية تمكنه من حلّ الأسئلة المباشرة التي يطرحها المحاور خلال المقابلات التقنية. وعلى إثر ذلك، حصد عروض عمل من منصّات رائدة مثل أمازون وميتا وتيك توك، قبل أن ينقلب عليه الحال بسبب اتهامات بالغش والتحايل.
تفاصيل الحادثة
استناداً إلى تقرير نشره الصحفي ماثيو غولت في موقع "Gizmodo" بتاريخ 4 مارس 2025، ابتكر روي لي برنامجاً يُدعى "Interview Coder" يدمج تقنيات التعرف على الصور مع النماذج اللغوية المتقدمة (على غرار ChatGPT). يلتقط البرنامج صورة من شاشة الاختبار البرمجي ويحلّل محتواها في ثوانٍ ليقدّم الحل المطلوب بلغة برمجية دقيقة. وقد استثمر لي هذا البرنامج في تجاوز الاختبارات التقنية التي تتطلبها شركات عملاقة مثل أمازون وميتا وتيك توك، وتلقّى عروض توظيف منهم، وفقاً للمصادر المذكورة في التقرير نفسه.
يرى بعض المراقبين أنّ هذه الخطوة لم تكن مجرّد حيلة عابرة، بل تصرّفٌ يعكس استياءً متراكمًا لدى شريحة واسعة من المبرمجين من نمط المقابلات التقنية في شركات FAANG، حيث يُفرض على المرشحين حلّ مسائل حسابية معقدة في وقت وجيز، وأمام موظّفي التوظيف الذين يرصدون كل تفصيلة في عملية التفكير. وتشير تصريحات لي إلى أنّ تلك المقابلات تمثّل تجربة مرهقة وغير واقعية، إذ يُتوقّع من المتقدّمين حفظ خوارزميات معقّدة أو حلولٍ لخوارزميات قد لا يواجهونها فعلياً في حياتهم المهنية لاحقاً.
رد فعل الشركات والجامعة
بعد نشر مقابلة روي لي مع شركة أمازون على منصة يوتيوب، تلقّت جامعة كولومبيا خطاباً، لم تتضح هوية مرسله، يطالب باتخاذ إجراءات تأديبية ضد الطالب بحجّة انتهاكه قواعد النزاهة خلال عملية التوظيف. نُقل عن الخطاب، في نسخته المنقحة، أنّ أمازون أعربت عن قلقها الشديد حيال هذه الواقعة، وأكّدت في تصريحات على لسان المتحدثة الرسمية، مارغريت كالهان، ضرورة التزام المرشحين بالسياسات المعلنة التي تحظر أي أدواتٍ غير مصرح بها أثناء المقابلات التقنية.
رغم ذلك، تفيد الأنباء بأن روي لي يعتزم مغادرة الجامعة وعدم الامتثال لجلسة الاستماع التي حُدّدت في 11 مارس. ووفقاً للمعلومات التي شاركها مع موقع "Gizmodo"، تبدو رغبته واضحة في التفرغ لتسويق برنامجه المتطور، مشدداً على قناعته بأنّ الذكاء الاصطناعي سيجعل الكثير من الأعمال البرمجية الراهنة بلا جدوى في فترة وجيزة.
دلالات أعمق على مستقبل الاختبارات الوظيفية
يشير ما حصل إلى بوادر ثورة حقيقية في آليات التوظيف داخل الشركات التقنية الكبرى. فإذا كان بالإمكان اختزال الجهد المبذول في اختباراتٍ طويلة عبر أداة ذكاء اصطناعي قادرة على التعرف على الأسئلة وحلّها فوراً، فهل لا يزال من المجدي إخضاع المتقدّمين لهذه المقابلات الصارمة؟
يرى بعض الخبراء أنّ الشركات لن تتخلّى بسهولة عن هذا النظام التقليدي، لكونه وسيلة معيارية للتعرّف على مدى صلابة الخلفية التقنية لدى المرشحين. لكن آخرين يشيرون إلى أنّ العولمة والاعتماد الواسع على أدوات الذكاء الاصطناعي سيفرضان نموذجاً مختلفاً من التقييم، ربما يشمل اختباراتٍ أكثر ارتباطاً بالواقع العملي واحتياجات المشروعات اليومية.
يشير البعض أيضاً إلى إمكانية أن تلجأ هذه الشركات إلى نماذج جديدة من المقابلات التي تراعي الابتكار والإبداع تحت ضغطٍ معقول، بدلاً من طرح مسائل حسابية لا تُستخدم سوى نادراً في المجالات التطبيقية. ولا يخفي مطّلعون في الأوساط التقنية مخاوفهم من أن يفتح التطور المتسارع في الذكاء الاصطناعي باباً واسعاً أمام انتهاكات أخلاقية أكبر، ما لم تُوضع سياسات واضحة لتنظيم استخدامها خلال مراحل التوظيف والتقييم.
في النهاية، تؤكد تجربة روي لي أنّ مستقبل المقابلات التقنية يتجاوز المقارنة بين حفظ الخوارزميات واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. فالتحدي الحقيقي يكمن في ابتكار طرائق تقييم جديدة تتسم بالإنصاف وتعكس فعلاً القدرات المطلوبة للوظيفة، مع الحذر من إمكانية توظيف التقنيات الذكية بطرق غير مشروعة. وربما يكشف النقاش الدائر حالياً عن حاجة ماسة إلى معايير أخلاقية تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، سواء من جانب المرشحين أو الشركات.