فلسطين محظورة في بريد مايكروسوفت… من يُخيفه مجرد اسم؟

3 د
اكتشف موظفو مايكروسوفت حظر رسائل البريد التي تتضمن كلمات مثل "فلسطين" و"غزة"، مما أثار اتهامات للشركة بممارسة رقابة داخلية موجهة.
برّرت الشركة الإجراء بأنه يهدف للحد من الرسائل السياسية غير المتعلقة بالعمل، وأكدت وجود منصات مخصصة لذلك داخليًا.
تصاعدت الاحتجاجات خلال مؤتمر Build وشملت تدخلات علنية واحتجاجات ضد عقود الشركة مع الحكومة الإسرائيلية.
رغم التحقيقات الداخلية، نفت مايكروسوفت استخدام خدماتها في إيذاء المدنيين في غزة، فيما يستمر الجدل حول موقفها من النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
في واقعة تُسلّط الضوء على التوترات الداخلية داخل كبرى شركات التكنولوجيا العالمية، اكتشف موظفون في شركة مايكروسوفت أن رسائل البريد الإلكتروني التي تتضمن كلمات مثل "فلسطين" و"غزة" و"إبادة جماعية" تُمنع مؤقتًا من الوصول إلى مستلميها، سواء كانوا داخل الشركة أو خارجها. هذا الحظر لم يكن مجرد خلل تقني عابر، بل تبين لاحقًا أنه جزء من سياسة داخلية جديدة تهدف، بحسب الشركة، إلى "الحد من الرسائل ذات الطابع السياسي".
اكتشاف الصدمة: رسائل صامتة لا تصل
لم يكن الموظفون يبحثون عن مواجهة، بل كانوا يعبرون عن آرائهم. غير أن رسائلهم التي حملت عبارات مرتبطة بفلسطين وجدت طريقها إلى اللامكان. وفقًا لمجموعة "لا لأزور للفصل العنصري" (NOAA)، وهي تجمع احتجاجي يضم موظفين داخل مايكروسوفت، فإن عشرات العاملين لاحظوا اختفاء رسائلهم عند احتوائها على كلمات بعينها. المفارقة أن كلمات مثل "إسرائيل" أو حتى تهجئة بديلة مثل "P4lestine" لم تُحظر، ما عزز الشكوك في وجود رقابة انتقائية.
تقول المجموعة:
"مايكروسوفت تحاول إسكات الأصوات التي تدافع عن حقوق الفلسطينيين داخل الشركة. هذا ليس مجرد قرار تنظيمي، بل موقف سياسي مقنّع بسياسة داخلية"
رد الشركة: لكل مقام مقال
في حديث لموقع The Verge، لم تنكر مايكروسوفت الواقعة. بل أكدت، عبر المتحدث الرسمي فرانك شو، أنها طبقت قيودًا تهدف إلى الحد من "الرسائل الجماعية ذات الطابع السياسي غير المتعلق بالعمل". وأضاف:
"لدينا منتدى داخلي مخصص لمن يرغب في مناقشة القضايا السياسية. أما إرسال رسائل لآلاف الموظفين حول مواضيع لا تمت للعمل بصلة، فليس سلوكًا مناسبًا"
لكن توقيت هذا القرار لم يكن بريئًا. فقد جاء بالتزامن مع تصاعد احتجاجات داخلية ضد عقود مايكروسوفت مع الحكومة الإسرائيلية، والتي طفت على السطح خلال مؤتمر Build السنوي للمطورين.
مؤتمر Build: عندما يتقاطع العمل مع المبادئ
ما كان مؤتمر Build هذا العام تقنيًا فحسب. في اليوم الأول، قاطع الموظف جو لوبيز الكلمة الافتتاحية للمدير التنفيذي ساتيا ناديلا، صارخًا من وسط الحضور: "لم لا تُظهرون أن جرائم الحرب الإسرائيلية مدعومة بخدمات أزور؟". لم تمضِ ساعات حتى تم فصله من عمله، بعدما أرسل بريدًا جماعيًا لآلاف الموظفين يندد بسياسات الشركة.
اليوم الثاني لم يكن أقل صخبًا، حين اعتلى موظف فلسطيني منصة العرض أثناء تقديم رئيس قسم الذكاء الاصطناعي الأساسي، ليعبر عن اعتراضه. وفي اليوم الثالث، قام موظفان سابقان باقتحام جلسة أخرى، ما أدى إلى ارتباك على المنصة وتسريب عرضي لمحادثات داخلية حول استخدام Walmart لأدوات الذكاء الاصطناعي التابعة لمايكروسوفت.
بعد الضغط: مايكروسوفت تكشف عقودها مع إسرائيل
قبل أيام من هذه الأحداث، أعلنت مايكروسوفت رسميًا عن وجود عقود سحابية ومرتبطة بالذكاء الاصطناعي مع الحكومة الإسرائيلية، لكنها سارعت إلى التأكيد على أن مراجعة داخلية وخارجية لم تجد "أي دليل" على استخدام أدواتها لاستهداف مدنيين في غزة.
هل أصبحت "الحيادية" ذريعة للرقابة؟
بعيدًا عن الوقائع، تطرح هذه القصة تساؤلات أكثر عمقًا: هل لا تزال الشركات التكنولوجية الكبرى تملك ترف الادعاء بالحياد؟ أم أن حيادها يتحول أحيانًا إلى أداة لقمع الآراء التي لا تنسجم مع مصالحها الاستراتيجية؟
ليست مايكروسوفت أول شركة تواجه اتهامات من هذا النوع، لكن خطورتها تكمن في كونها تُشكّل بيئة عمل لعشرات الآلاف، وتنشط في قطاع يتداخل مع السياسات العامة، الحقوق الرقمية، والعدالة الاجتماعية. حين يُمنع موظف من التعبير عن موقف أخلاقي تجاه معاناة شعب، ويُفصل بسبب ذلك، فإننا لا نكون أمام "تنظيم إداري"، بل أمام إعادة تعريف لما تعنيه حرية التعبير في القرن الحادي والعشرين.
ربما كانت مايكروسوفت تأمل أن تمر هذه الأزمة بهدوء، لكن ما حدث في كواليس مؤتمرها التقني كشف ما هو أعمق: صراع لم يعد محصورًا بين أسطر الكود، بل امتد إلى ضمائر من يكتبونه.