في ظلال نجم ميت… جيمس ويب يرصد أبرد كوكب عُرف حتى الآن

3 د
اكتشف التلسكوب جيمس ويب كوكبًا جديدًا يدور حول نجم ميت.
يُعتبر الكوكب المكتشف الأبرد من نوعه حتى الآن وفقًا للملاحظات.
اكتشاف الكوكب في "المنطقة المحظورة" يدهش العلماء.
يخطط الفريق البحثي للمزيد من المتابعة لاكتشاف المزيد من الكواكب.
تخيّل أن تكتشف كوكباً جديداً خارج نظامنا الشمسي ولكنه لا يدور كالمعتاد حول نجم يشبه شمسنا، بل يدور بشكل مباشر حول نجم "ميت"، ثم تجد أن هذا الكوكب هو الأبرد من نوعه الذي تمت مشاهدته وتوثيقه على الإطلاق. هذه التفاصيل قد تبدو كأنها من أفلام الخيال العلمي، لكن ذلك بالضبط هو ما حدث مع علماء الفلك بفضل أحدث رصد قام به التلسكوب الفضائي جيمس ويب (JWST).
في تطور مثير أعلن عنه مؤخراً، تمكن علماء الفلك من تأكيد أن الجسم السماوي المسمى "WD 1856+534 b"، والذي كان محوراً للاهتمام حين اكتُشف للمرة الأولى عام 2020، هو بالفعل كوكب وليس جسماً آخراً مثل الأقزام البنية أو "النجوم الفاشلة" كما كان يُعتقد سابقاً. الكوكب الجديد يتشابه بالحجم مع كوكب المشتري ويقع على بعد حوالي 80 سنة ضوئية من الأرض، ويدور حول نجم قزم أبيض— وهو ما تبقى من نجم شبيه بشمسنا بعد نفاد وقوده.
وهذه الملاحظة من التلسكوب الفضائي جيمس ويب أكدت بالفعل معلومات أدق حول هذا العالم المثير، حيث تمكن التلسكوب من رصد ضوء الكوكب بشكل مباشر، ما أعطى العلماء فرصة لقياس دقيق لكتلته ودرجة حرارته. وبحسب النتائج الجديدة، تبلغ حرارة هذا الكوكب حوالي سالب 87 درجة مئوية (-125 فهرنهايت)، ما يجعله أبرد كوكب تم اكتشافه حتى الآن، مع تجاوزه بوضوح للكوكب الذي حمل اللقب سابقاً وهو "Epsilon Indi Ab".
وقد أثارت هذه النتائج دهشة العلماء، ليس فقط بسبب البرودة غير المسبوقة التي تم قياسها، ولكن أيضاً بسبب موقع الكوكب في ما يسمى بـ"المنطقة المحظورة". في الظروف العادية، من المفترض أن الكواكب القريبة لهكذا نجوم يتم تدميرها أثناء مرحلة تمدد النجم في طور "العملاق الأحمر"، قبل أن ينهار ليشكل القزم الأبيض المُتبقي. لهذا كان العلماء مذهولين من وجود كوكب يدور على مقربة شديدة من نجمه المتوفى في ذلك الموقع الغريب.
وتقول الباحثة الرئيسية للدراسة، ماري آن ليمباش من جامعة ميشيغان:
"عندما رأينا النتائج أول مرة، شعرنا بالمفاجأة والحماس. الكوكب ليس بارداً فحسب، بل موقعه يخبرنا بشيء جديد حول قدرة الكواكب على البقاء في ظروف كانت تُعتبر مستحيلة من الناحية النظرية"
ويعتقد العلماء أن الكوكب ربما قد "هاجر"، أي تغير موقعه ليقترب كثيراً من النجم بمرور الوقت. وهذا يفتح المجال لمزيد من الأبحاث حول إمكانية انتقال كواكب شبيهة إلى "نطاقات صالحة للحياة" حول النجوم الميتة، مما يثير أسئلة مشوقة حول فرص نشوء أو استمرار نوع من أشكال الحياة في ظروف كهذه بحسب نظريات علم الأحياء الفلكي.
وكخطوة قادمة، أعلنت الباحثة ماري آن وفريقها أنهم سيقومون بإجراء متابعة ثانية خلال يوليو المقبل، بالرصد مجدداً باستخدام التلسكوب الفضائي لمقارنة موقع هذا النظام بالنسبة للنجوم الخلفية الأخرى. ويأمل العلماء من خلال الرصد الإضافي إمكانية اكتشاف كواكب أخرى ربما تدور حول نفس النجم، الأمر الذي سيساعد في شرح آلية هذه الهجرة الغامضة واحتمالية وجود أنظمة شبيهة في مجرتنا.
يشكل اكتشاف الكوكب WD 1856+534 b وتأكيد هويته مرة أخرى إثباتاً لقدرة التلسكوب الفضائي جيمس ويب الفائقة على إعادة تشكيل فهمنا للكون حولنا، وهو ما يتيح لنا الفرصة لرؤية أوسع وأوضح لمكان مجموعتنا الشمسية ضمن السياق الكوني الأوسع. ولطالما كانت علوم الفضاء مجالاً خصباً للمفاجآت والاكتشافات الجديدة، ويبدو أننا سنكون على موعد مع مزيد من الحقائق المثيرة في السنوات المُقبلة بفضل هذه التقنيات المتطورة.