قريبًا… البشر يحجبون الشمس: مشروع صادم لتبريد الأرض

4 د
تستعد بريطانيا للموافقة على تجربة تهدف لحجب جزء من أشعة الشمس للحد من الاحتباس الحراري.
تشمل التجارب تقنيات حقن الأيروسولات في الجو وزيادة انعكاس الغيوم البحرية.
الجدل مستمر بين الداعمين لهذه التكنولوجيا والمنتقدين الذين يخشون من الآثار الجانبية.
يثير المشروع أملاً وتحدياً في نفس الوقت، مع ترقب كبير للنتائج في السنوات القادمة.
تظل فكرة تحكم الإنسان في الطقس مثيرة للجدل ومليئة بالتحديات والمخاطر البيئية.
منذ وقتٍ ليس بالبعيد، كان الحديث عن محاولات التحكم في طقس الأرض أقرب إلى الخيال العلمي أو مادة لفيلم هوليوودي، لكن اليوم نحن أمام تطورٍ حقيقي وغير مسبوق في العلوم المناخية، حيث أعلنت بريطانيا استعدادها للموافقة على تجربة جريئة جداً للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري: حجب جزء من أشعة الشمس.
تجارب بريطانية مرتقبة والتكلفة بالملايين
قريباً وخلال بضعة أسابيع فقط، ستمنح الحكومة البريطانية موافقتها الرسمية على سلسلة من التجارب الأولية الميدانية التي تهدف إلى استكشاف إمكانية استخدام تقنيات هندسة المناخ – أو ما يعرف جيوهندسياً باسم "Sunlight Reflection Methods - SRM"، وهي أساليب تعكس أشعة الشمس بعيداً عن كوكبنا لتبرده قليلاً، وبالتالي تخفف من ارتفاع الحرارة الذي نعيشه بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة. وفق ما أعلنه برنامج وكالة البحوث والابتكارات المتقدمة البريطانية (Aria)، وهو البرنامج الذي تموله الجهات الرسمية بمبلغ يصل إلى 50 مليون جنيه إسترليني، لإجراء هذه التجارب الجذرية.
ويهدف المشروع بشكل أساسي إلى اختبار فاعلية تقنيتين أساسيتين هما حقن الأيروسولات في طبقات الجو العليا، وتعزيز سطوع السحب فوق المحيطات، لتقليل كمية الضوء التي تصل إلى الأرض، وبالتالي المساهمة في خفض درجات الحرارة العالمية.
طبيعة التقنيات المقترحة لتخفيف حرارة الكوكب
هذه التقنيات التي ستُجرى عليها التجارب تتضمن نوعين أساسيين. الأولى تُعرف بـ"حقن الهباء الجوي في طبقات الجو العليا"، وهي تعتمد على نشر جسيمات ضئيلة الحجم في طبقة الاستراتوسفير (ثاني طبقات الغلاف الجوي)، لتعكس بعض أشعة الشمس بعيداً نحو الفضاء قبل أن تصل لسطح الأرض. أما التقنية الثانية فتعرف باسم "زيادة انعكاس الغيوم البحرية"، وهي تتضمن رش رذاذ مائي مصنوع من مياه البحر على الغيوم فوق المحيطات، مما يجعلها أكثر إشعاعاً وأكثر قدرة على رد جزء من ضوء الشمس إلى الفضاء.
بروفيسور مارك سايمز، مدير البرنامج الحكومي المسؤول عن تمويل هذه التجارب، أكد أن البداية ستكون من خلال اختبارات محدودة جداً ومحددة المعالم، والغرض الأساسي منها هو جمع بيانات عملية من التجربة الحقيقية بعيداً عن المعامل والنماذج الافتراضية التي – حسب قوله – "توفر معلومات محدودة لا تكفي لاتخاذ قرار نهائي".
الجدل حول المشروع بين الدعم والنقد
لكن من الطبيعي أن أية محاولة لتعديل طقس كوكب كامل، ستكون محل جدل وشكوك علمية ومجتمعية واسعة. كثيرون يرون أن مثل هذه الإجراءات تنطوي على مخاطر كبيرة، إذ من المحتمل وقوع نتائج غير متوقعة من الممكن أن تؤثر سلباً على البيئة والمناخ بصورة لا تحمد عقباها. كما يرون أن التركيز يجب أن يبقى منصباً على تخفيض الانبعاثات الكربونية المسؤولة عن ارتفاع حرارة الأرض في المقام الأول.
في المقابل، خبراء كثيرون في علوم المناخ يشعرون بالإحباط نتيجة البطء في تقليل الانبعاثات. ويرون أن الحلول الهندسية لم تعد مجرد خيار افتراضي، بل أصبحت ضرورة عاجلة للمساعدة في تبريد الكوكب بالتوازي مع الاعتماد على مصادر الطاقة المستدامة وتقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير.
ما علاقة السحب بطائرات الركاب والبراكين؟
البروفيسور جيم هايوود من جامعة إكستر، المختص في علوم الغلاف الجوي، قدم أمثلة من الطبيعة تبين أهمية هذه التقنيات. على سبيل المثال، أشار إلى أن مسارات السفن التجارية في المحيطات تؤدي بشكل واضح إلى خلق خطوط مضيئة من الغيوم تُلاحظ من الفضاء. هذه الظاهرة تحدث بسبب انبعاثات السفن التي تُكسِب الغيوم قدرة أكبر على عكس ضوء الشمس، وبالتالي تُبَرِّد الأرض في تلك المناطق.
وأشار هايوود كذلك إلى ثورة بركان أيسلندا عام 2014، التي تسببت في إطلاق جزيئات أكسيد الكبريت في الجو، ما أدى بشكلٍ واضح إلى انخفاض الحرارة في تلك المنطقة لفترة مؤقتة. هذه الأمثلة الطبيعية توضح، حسب قوله، أن إجراء التجارب العملية على هذه الأفكار الهندسية، أصبح مهماً أكثر من أي وقتٍ مضى.
أفكار إضافية للتخفيف من سخونة الكوكب
إلى جانب حقن الجسيمات وزيادة انعكاس الغيوم، ثمة أيضاً أفكار أكثر ابتكاراً، منها تعديل الغيوم العالية (سحب السايروس)، وتقليل كثافتها لأنها في الوضع الحالي تعمل كغطاء للعالم وتمنع الحرارة من الهرب إلى الفضاء. واكتشف العلماء أن الطائرات يمكن أن تساهم في تكوين هذه السحب المرتفعة "خيط السحب" من خلال النواتج المنبعثة من محركات الطائرات في الجو.
ويشير الدكتور سيباستيان إستام من جامعة إمبريال كوليدج في لندن إلى هذه العلاقة بين الطيران والسحب، ويقول:
"لو استطعنا التحكم في هذه الآلية، فقد نستفيد منها لتبريد الأرض قليلاً، رغم صعوبة تنفيذ ذلك بشكل عملي على نطاق واسع في الوقت الحالي"
تحديات المشروع: تفاؤل مقابل مخاوف حقيقية
لا تزال هذه المبادرات تعتمد على تجارب علمية محدودة قابلة للتحكم فيها، ولا يعني ذلك تطبيقها بصورة واسعة في المستقبل القريب بدون مراقبة ومعرفة دقيقة بأضرارها البيئية المحتملة. لكن المؤكد أن هذه التجارب الجديدة تفتح باباً جديداً وكبيراً للتفكير في مستقبل كوكبنا، فهل تكون هذه الابتكارات الهندسية الجديدة نافذة أمل لإنقاذ الكوكب من أزمة المناخ، أم أن احتمال حدوث الآثار الجانبية سيبقى هاجساً يؤرق الجميع؟
هذا ما ستكشفه لنا السنوات القليلة القادمة من نتائج هذه التجمعات الواعدة والمثيرة والمخيفة في آن واحد. سنراقب عن كثب، وسنرى إلى أين تأخذنا هذه المغامرة العلمية غير المسبوقة.