ذكاء اصطناعي

كهرباء لا نهائية من دوران الأرض… نعمة أم لعنة قادمة؟

محمد كمال
محمد كمال

3 د

ابتكر باحثون من جامعة برينستون تقنية لتوليد الكهرباء من دوران الأرض.

أسطوانة مصنوعة من مادة الفريت تنتج طاقة من المجال المغناطيسي الأرضي.

التجارب نجحت في بيئات مختلفة، رغم التحديات الكهرومغناطيسية المحلية.

الباحثون يشيرون إلى أن كمية الكهرباء المُنتَجة لا تزال "ضئيلة جداً".

الهدف المستقبلي هو تحويل التقنية إلى مصدر طاقة فعّال وواقعي.

عندما نتحدث عن مصادر الطاقة البديلة، يتجه الذهن فورًا نحو الشمس والرياح وحتى أعماق البحار. لكن، ماذا لو أخبرتك اليوم أن الخبراء اقتربوا خطوة نحو توليد الكهرباء مستفيدين من دوران كوكب الأرض نفسه عبر حقله المغناطيسي؟ هذه ليست حبكة خيال علمي، بل تجربة حقيقية قادها باحثون من جامعة برينستون ومعهد كاليفورنيا للتقنية، يُمكن أن تفتح باباً لطاقة متجددة لم نعهدها من قبل.

حالما ظهرت الفكرة على الساحة العلمية سنة 2016، كانت بمثابة تحد صريح للمعارف الفيزيائية السائدة. ففي ذلك الوقت، صاغ كريستوفر تشايبا وفريقه من برينستون بالاشتراك مع كيفن هاند من مختبر الدفع النفاث بكاليفورنيا، فرضية بسيطة لكنها جريئة: هل يمكن التقاط جزء، ولو ضئيل، من طاقة الأرض الحركية المتولدة من دورانها عبر مجالها المغناطيسي وتحويلها إلى كهرباء قابلة للاستخدام؟ هذه المسألة جذبت أنظار الفيزيائيين حول العالم، خصوصاً أنها اصطدمت بتجارب واثباتات كلاسيكية كانت تنفي إمكانية حدوث ذلك، حتى اكتشف فريق البحث "ثغرة" نظرية صغيرة لكنها واعدة.

ومن هنا تبدأ الحكاية البحثية التي استغرقت سنوات. ليتحققوا من نظريتهم بشكل عملي، صمم العلماء أسطوانة مجوفة لا يتجاوز طولها القدم، مصنوعة من مادة الفريت الغنية بالمنغنيز والزنك، وهي مادة مغناطيسية عالية التوصيل. ما يميز هذا الجسم أنه "يتجاوز" الاعتراضات النظرية القديمة المتعلقة بعدم إمكانية توليد فرق جهد مستمر من دوران الأرض وحركتها المغناطيسية. بحسب التفسير، عندما تدور الأرض – ومعها المختبر نفسه – تمر الأسطوانة بثبات داخل هذا المجال المغناطيسي، مسببةً قوة غير مرئية تدفع الإلكترونات داخلها لمحاولة الحركة.

وهذا الربط العلمي الدقيق يُدخلنا إلى قلب التجربة. في أول تجاربهم، عمل الباحثون في مختبر معزول تمامًا من التأثيرات الخارجية وضجيج المجال الكهرومغناطيسي، وذلك لتصفية النتائج من أي مؤثرات غير متعلقة بالمجال المغناطيسي الأرضي. وكانت النتيجة واضحة: الأسطوانة الصغيرة ولدت بالفعل مستويات دقيقة من الكهرباء – عشرات الميكروفولتات – وهو أمر يتوافق تماماً مع التنبؤات الرياضية التي وضعها العلماء قبل سنوات.


نتائج تحت المجهر: هل المتغيرات المحلية تؤثر؟

وجرياً على قاعدة "الشك العلمي" الذي يحكم الأبحاث الكبرى، حرص الفريق على نقل التجربة إلى بيئة سكنية عادية تبعد عدة كيلومترات عن المختبر الأصلي. وبالرغم من الضوضاء والمجالات الكهرومغناطيسية الخارجية التي أفسدت بعض البيانات ورفعت نسبة الخطأ، لاحظ الفريق نفس التغيرات الضئيلة في الجهد الكهربائي والسلوك عند الدوران. هذا أعاد التأكيد أن الظاهرة ليست محصورة في ظروف المختبر النقية، بل تتكرر في بيئات أخرى، ما يُضعف من فرضية أن تكون ناجمة عن مؤثر محلي معين.

بعد الربط بما سبق، تتضح لنا قيمة هذا الإنجاز العلمي في ظل النقاش المستعر حول مصادر الطاقة الخضراء. ومع ذلك، يبادر البروفيسور تشايبا بتحذير زملائه وعشاق الطاقة النظيفة: لا مجال للمبالغة في الاحتفال. حتى اللحظة، كمية الكهرباء الناتجة "ضئيلة جداً"، فهي أشبه بوميض على أجهزة القياس الحساسة. وينبّه إلى أن الدراسة لم تتطرق بعد إلى خطط فعّالة لتضخيم وتمديد هذه الظاهرة على نطاق تجاري أو حتى معملي موسع.


فرص وتحديات أمام أفق جديد للطاقة

ذو صلة

ومع أننا اليوم نقف أمام نتائج أولية توحي بإمكانية توليد الكهرباء هدوءًا وبلا كربون من دوران الأرض، إلا أن أمام هذه التقنية العلمية طريقاً طويلاً. الباحثون يعترفون أن توسيع نطاق التجربة وتحويلها إلى مصدر طاقة فعلي يزود الأجهزة أو الشبكات باحتياجاتها مسألة تحتاج الكثير من العمل والأفكار الجديدة. الأهم من ذلك دعوة تشايبا لفِرَق بحثية أخرى إلى إعادة التجربة بنفس الأدوات والمعايير، إما لتأكيد النتائج أو لتفنيدها، مما يمنح البحوث مزيدًا من الدقة والمصداقية قبل تحويل الأحلام إلى مشاريع واقعية.

وفي خاتمة هذا الطريق البحثي الشيق، نجد أن المغامرة الفيزيائية في استخراج الكهرباء من أبسط الحركات الكوكبية لا تزال في بدايتها. لكن كل ما تحقق حتى الآن يراكم مزيدًا من الأدلة العلمية الطموحة على أن مستقبل الطاقة قد يحمل لنا مفاجآت من قلب الأرض ذاتها، لا من سمائها فقط أو بحارها. وبين التفاؤل والواقعية، يبقى شغف الاستكشاف هو الوقود الحقيقي لكل تطور علمي جديد.

ذو صلة