لأول مرة منذ عقود… عرش جوجل في خطر!

4 د
تراجعت حصة "جوجل" العالمية في سوق محركات البحث إلى أقل من 90%.
يقوم المستخدمون بالبحث عن بدائل تحترم خصوصيتهم لحماية بياناتهم الشخصية.
شهدت محركات "إيكوزيا" و"بينغ" نموًا ملحوظًا بسبب هذا التغير.
تهدف الضغوط التنظيمية إلى ضمان حرية اختيار البرامج ومحركات البحث.
يدفع المستخدمون نحو خدمات توفر الأمان والاستقلالية بعيدًا عن هيمنة "جوجل".
منذ سنوات طويلة، تعوّدنا جميعًا على استخدام محرك البحث "جوجل" في كل مرة نبحث فيها عن معلومة ما على الإنترنت؛ حتى بات اسم "جوجل" مرادفًا فعليًا لعملية "البحث". لكن هل تخيلت يومًا أن هذا الواقع يمكن أن يتغير؟
تراجع ملحوظ للمرة الأولى منذ سنوات
تشير أحدث البيانات القادمة من "ستات كاونتر"، الموقع المتخصص بتحليل نسب استخدام الخدمات على الإنترنت، إلى أن حصة محرك البحث جوجل العالمية قد تراجعت إلى أقل من 90% للمرة الأولى منذ قرابة 10 أعوام، حيث وصلت النسبة إلى حوالي 89.71% في مارس 2025 بعد هبوط مستمر بدأ منذ أكتوبر 2024.
قد يبدو انخفاض بنسبة 1% أمرًا بسيطًا في ظاهره، لكن حينما نعلم أن أكثر من 5 مليارات شخص يستخدمون محركات البحث في العالم، ندرك أن هذا التراجع البسيط يعادل حوالي 50 مليون مستخدم فضلوا ترك "جوجل" والبحث عن بدائل أخرى في الأشهر الماضية.
تراجع أكبر على أجهزة الكمبيوتر المكتبي
وتظهر الأرقام التي نشرتها "ستات كاونتر" أن هذا التراجع كان أوضح بكثير عند البحث من أجهزة الكمبيوتر المكتبي (الديسكتوب). فقد انخفضت حصة جوجل من 87.65% في مايو 2023 إلى حوالي 79.1% في مارس 2025. وتبرز هذه الظاهرة بصورة أكثر وضوحًا في أوروبا، حيث هبطت نسبة استخدام جوجل هناك إلى 77.78% بعدما كانت حوالي 87% في مايو 2023.
ما سر هذا التحوّل؟
هذا التغيير الكبير يطرح أسئلة مهمة حول أسبابه. أبرز هذه الأسباب يكمن برغبة متزايدة لدى المستخدمين في اختيار خدمات تحترم خصوصيتهم وتمنحهم حماية أكبر لبياناتهم الشخصية. فالكثير من المستخدمين بدأوا يعارضون الممارسات التي تعتمدها جوجل وشركات التقنية الكبرى الأخرى كميتا وآبل، والتي تعتمد على جمع بياناتهم الشخصية لأغراض الإعلان والترويج، أو ما يُعرف بـ "رأسمالية المراقبة".
الخدمات البديلة تستفيد من هذا التحول
من الشركات المستفيدة بشكل واضح من تغير هذا السلوك هي محركات بحث قائمة على الخصوصية مثل "إيكوزيا" الألمانية Ecosia، التي سجلت نموًا هائلًا وصل إلى 250% نهاية عام 2024. كما شهد محرك البحث "بينغ" من مايكروسوفت ارتفاعًا ملحوظًا في عدد مستخدميه، ما يؤكد أن المستخدمين يتجهون الآن نحو تنويع خياراتهم بما يتلاءم أكثر مع تفضيلاتهم الشخصية فيما يتعلق بالخصوصية وحماية البيانات.
مواجهة قضائية وضغوط تنظيمية على "جوجل"
يتزامن هذا التغيير في سلوك المستخدمين مع ضغط متزايد من جانب الهيئات الرقابية في أوروبا وأمريكا على شركات التقنية الكبرى. ففي عام 2024، صدر حكم تاريخي من القضاء الأمريكي ضد "جوجل"، يُعدُّ الأول من نوعه، باعتبار الشركة مذنبة بانتهاك قوانين المنافسة وإساءة استغلال مكانتها الاحتكارية في البحث الإلكتروني. أدى قرار المحكمة إلى منع شركة "جوجل" من مواصلة دفع مبالغ مالية ضخمة إلى شركات مثل "آبل" ومتصفح "فايرفوكس" لجعلها الخيار الافتراضي للبحث، وهو الأمر الذي كان يعزز موقعها الاحتكاري.
وعلى الجانب الأوروبي، بدأ الاتحاد الأوروبي يفرض على الشركات الكبرى مثل "آبل" توفير خيارات بديلة للمستخدمين لضمان حرية اختيار البرامج ومحركات البحث على الأنظمة المختلفة، في خطوة تهدف إلى توفير منافسة عادلة تسمح للشركات الصغيرة بالنفاذ للسوق.
تجارب شركات صغيرة وتحديات هيمنة "جوجل"
قامت العديد من الشركات، خاصة التي تهتم بتقديم خيارات آمنة وتحترم خصوصية المستخدم، بالإعلان عن تعرضها لممارسات احتكارية من قبل جوجل. شركة "توتا" المتخصصة في تقديم خدمات البريد الإلكتروني الآمن ذكرت، على سبيل المثال، كيف تراجع تصنيف موقعهم في نتائج بحث جوجل فجأة لمدة ثلاثة أشهر في 2024 بلا أي تفسير من جوجل، وبعدما قدموا شكوى بموجب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي DMA عاد ظهور موقعهم بشكل طبيعي.
هذه الممارسات وغيرها دفعت الكثيرين لإعادة النظر في اعتمادهم على خدمة واحدة تتحكم بمعظم أنشطتهم اليومية على الإنترنت. وهو ما يفسر ميل الكثير من المستخدمين نحو الخيارات البديلة التي تمنحهم مزيدًا من الشعور بالأمان والاستقلالية.
جيل جديد من المستخدمين أكثر حرصًا على الخصوصية
الخلاصة في كل ما سبق أن العالم الرقمي كما عرفناه في السنوات الماضية يشهد تحولًا نوعيًا. ففكرة اعتمادنا على عملاق تقني واحد كجوجل، بدأت تتراجع لصالح خدمات عديدة تحترم خصوصياتنا وتحمينا من الاستهداف الإعلاني والاستخدام المفرط لبياناتنا الشخصية.
ربما تكون حصة جوجل ما تزال كبيرة، بل وضخمة، لكن العلامات الأولى على تغيير ملموس في السلوك الرقمي للمستخدمين بدأت بالفعل. والـ50 مليون مستخدم الذين ابتعدوا عن جوجل ليست مجرد رقم، بل إشارة واضحة إلى أن مستقبل الإنترنت سيكون أكثر تنوعًا وأكثر احترامًا لمبدأ الخصوصية، وهو أمرٌ جيد بالطبع بالنسبة لنا جميعًا كمستخدمين يبحثون عن مساحة رحبة من الحرية والحماية داخل هذه الشبكة العالمية.