مهمة جونو التابعة لناسا ترصد أقوى ثوران بركاني على قمر المشتري آيو في سابقة تاريخي
![](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fcdn.arageek.com%2Fnews-magazine%2FRising-economics-2025-01-30T122434.209.png&w=3840&q=75)
4 د
سجلت مركبة "جونو" التابعة لناسا أقوى ثوران بركاني في تاريخ الرصد الفضائي على قمر آيو.
امتد نطاق الحمم إلى 100,000 كيلومتر مربع، وهو ما يعادل مساحة أيسلندا.
يشير التحليل الأولي إلى أن الثوران مرتبط بغرفة صهارية ضخمة تحت سطح القمر.
من المتوقع أن يقدم التحليق المقبل للمركبة في مارس 2025 المزيد من البيانات حول هذا الحدث الاستثنائي.
في اكتشاف مذهل، رصدت مركبة "جونو" التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" أقوى ثوران بركاني تم تسجيله على الإطلاق على سطح قمر المشتري "آيو"، أكثر الأجرام البركانية نشاطًا في النظام الشمسي. حتى وفقًا لمعايير آيو شديدة التطرف، حيث تعجّ تضاريسه بأكثر من 400 بركان نشط، فقد تميّز هذا الحدث بانفجار غير مسبوق في شدّته، ما أدى إلى إشباع أجهزة الاستشعار الحرارية الخاصة بالمركبة، لا سيما أداة "مصور الأشعة تحت الحمراء الشفقية لجونو" (JIRAM).
بركان بحجم أيسلندا يكشف عن أعماق مجهولة
يقارب قمر آيو حجم قمر الأرض، لكنه يُعتبر أكثر الأجسام نشاطًا بركانيًا في النظام الشمسي، ويعود ذلك إلى التأثير الجذبوي الهائل لكوكب المشتري. فالقوى المدّية الناتجة عن جاذبية المشتري الهائلة تشدّ وتضغط القمر بصفة مستمرة، مما يولّد حرارة احتكاكية في أعماقه، تؤدي إلى انبعاثات بركانية متواصلة.
لكنّ الثوران الأخير الذي اكتشفته "جونو" يختلف تمامًا عن أي نشاط بركاني تم رصده سابقًا، إذ يمتد نطاق الحمم البركانية إلى أكثر من 100,000 كيلومتر مربع (40,000 ميل مربع)، وهو ما يعادل مساحة أيسلندا تقريبًا. هذا الحدث الفريد قدّم للعلماء رؤى غير مسبوقة حول الشبكات الجوفية الضخمة من غرف الصهارة التي تغذّي براكين القمر.
رؤية غير مسبوقة بفضل التحليق القريب لمركبة "جونو"
تم تصميم "جونو" في الأصل لدراسة الغلاف الجوي والمجال المغناطيسي لكوكب المشتري، لكن تمديد مهمتها لمراقبة أقمار الكوكب العملاق مكّنها من تسجيل ملاحظات استثنائية حول النشاط البركاني في آيو. خلال تحليقاتها القريبة في ديسمبر 2023 وفبراير 2024، اقتربت المركبة إلى مسافة 1500 كيلومتر من سطح القمر، ما سمح لها برصد تفاصيل مذهلة عن البراكين هناك. إلا أن التحليق الأبعد في 27 ديسمبر 2024، على بعد 74,400 كيلومتر، هو ما كشف عن الحدث البركاني الأضخم.
وأعرب "سكوت بولتون"، الباحث الرئيسي في مهمة "جونو" من معهد الأبحاث الجنوبية الغربية في سان أنطونيو، عن دهشته قائلاً: "لقد كانت لدينا تحليقات قريبة مذهلة، لكن البيانات التي حصلنا عليها من هذا التحليق الأخير فاجأتنا تمامًا. نحن نتحدث عن أقوى ثوران بركاني تم تسجيله على الإطلاق في أكثر العوالم البركانية نشاطًا في نظامنا الشمسي، وهذا بحد ذاته إنجاز استثنائي".
ما الذي يجعل ثوران آيو فريدًا؟
تفرد هذا الحدث البركاني لا يكمن فقط في حجمه الهائل، بل في شدّته أيضاً. فقد كانت الحرارة المنبعثة من الحدث قوية إلى درجة أنها طغت على حسّاسات الأشعة تحت الحمراء الخاصة بالمركبة، وهو أمر نادر الحدوث في الاستكشافات الكوكبية. ويُشير هذا إلى أن الثوران لم يكن حدثًا واحدًا منفصلاً، بل سلسلة من الانفجارات البركانية المتزامنة، التي يُرجح أنها مرتبطة بخزان صهاري هائل تحت سطح القمر.
يشرح "أليساندرو مورا"، الباحث في المعهد الوطني للفيزياء الفلكية في روما وأحد المشاركين في مهمة "جونو": "ما رصدناه هو انفجار حراري استثنائي في النصف الجنوبي لآيو، قوته تجاوزت قدرة مستشعراتنا. لكن الدلائل تشير إلى أن ما رأيناه لم يكن نقطة واحدة، بل مجموعة من البقع الساخنة القريبة التي اندلعت في آنٍ واحد، وهو ما يشير إلى نظام بركاني مترابط تحت السطح".
هذه النتائج تدعم نظرية أن براكين آيو لا تعمل بشكل مستقل، بل ترتبط ببعضها البعض في سلسلة من التفاعلات، تمامًا كما يحدث في الزلازل الأرضية التي يمكن أن تتوالى على امتداد الصدوع الجيولوجية.
تأثيرات تتجاوز حدود آيو
يمتد تأثير هذا الاكتشاف إلى ما هو أبعد من قمر المشتري، إذ يمكن أن يساعد العلماء في فهم أعمق للعمليات البركانية على أجرام أخرى، مثل السهول البركانية على كوكب الزهرة أو البراكين الجليدية على قمر "إنسيلادوس" التابع لكوكب زحل.
وقد علّق "بولتون" على أهمية الاكتشاف بقوله: "إنه لمن الرائع أن نشهد أحداثًا تُعيد كتابة السجلات العلمية. هذا الموقع البركاني الجديد يمكن أن يغيّر تصوراتنا ليس فقط عن آيو، ولكن عن البراكين الكوكبية بشكل عام". فإذا كانت البراكين على آيو تعتمد على غرف صهارية مترابطة، فقد يساعد ذلك العلماء على تطوير نماذج جديدة لتفسير البراكين على الكواكب الصخرية والأقمار الأخرى.
ما الذي سيحدث بعد ذلك؟
لم تنتهِ "جونو" من دراسة آيو بعد، إذ من المقرر أن تقوم بتحليق آخر في 3 مارس 2025 لمتابعة التغيرات التي طرأت على المنطقة نتيجة هذا الثوران. ومن المتوقع أن يترك هذا الحدث بصمات جيولوجية طويلة الأمد تشمل:
- ترسبات بركانية ضخمة متناثرة عبر السطح.
- تدفقات حمم بركانية ممتدة، قد تكون ناتجة عن تصدعات تحت سطح القمر.
- انبعاثات كبريتية هائلة يمكن أن تغيّر طبيعة الغلاف الجوي الرقيق لآيو.
كما يُرجَّح أن يتمكن علماء الفلك من رصد آثار الثوران باستخدام التلسكوبات الأرضية، ما سيوفر رؤية إضافية حول تطور النشاط البركاني في هذا الجزء من القمر.
عصر جديد من الاستكشاف البركاني في الفضاء
مرة أخرى، تواصل "جونو" إعادة تعريف فهمنا للكواكب والأقمار البركانية. لا يقتصر هذا الاكتشاف على توثيق أكبر ثوران بركاني في آيو، بل يقدم أيضًا نافذة علمية فريدة لفهم القوى الداخلية التي تشكّل الأجرام السماوية الأخرى. ومع استمرار المهمة، يترقب العلماء بفارغ الصبر ما ستكشف عنه التحليقات القادمة، خاصة أن آيو لا يزال عالمًا مشتعلًا، حيث لا تهدأ نيرانه البركانية أبدًا.