ناسا تسجل موجات صوتية حقيقية من الثقب الأسود بعد رفع ترددها لتصبح مسموعة!
![](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fcdn.arageek.com%2Fnews-magazine%2FRising-economics-99-1.png&w=3840&q=75)
3 د
سجلت "ناسا" موجات صوتية حقيقية من الثقب الأسود في عنقود "برسيوس" بعد رفع ترددها لتصبح مسموعة.
تساعد هذه الموجات في تسخين الوسط بين المجرات، ما يؤثر على تطور العناقيد المجرية.
حصل أيضاً الثقب الأسود M87* على تسجيل صوتي باستخدام تحويل بيانات الضوء إلى صوت.
تفتح هذه الطريقة أبواباً جديدة لفهم الكون وتمنحنا تجربة حسية للظواهر الكونية.
.
تخيل أنك تقف على أعتاب الكون، وتستمع إلى لحن كوني ينبعث من أعماق لا متناهية. هذا ليس مجرد خيال علمي، بل حقيقة علمية مذهلة. فقد نجحت وكالة "ناسا" في تقديم تسجيل صوتي فريد من نوعه لموجات صوتية تنبعث من ثقب أسود هائل الكتلة في قلب العنقود المجري "برسيوس"، على بعد 250 مليون سنة ضوئية من الأرض.
صوت من قلب الظلام
هذا التسجيل، الذي تم إصداره لأول مرة في عام 2022، يُعد تجربة مثيرة للاستماع إلى أعماق الفضاء. الأمواج الصوتية، التي تبدو وكأنها عواء غامض أو حتى صرخة غاضبة، تم رفع ترددها بمقدار 57 إلى 58 أوكتاف لتصبح مسموعة للأذن البشرية. والنتيجة؟ مزيج مهيب من الأصوات التي تبدو وكأنها نشيد كوني من أعماق المجهول.
هل يمكن أن نسمع الصوت في الفضاء؟
لطالما علمنا أن الفضاء "صامت" بسبب غياب الوسط الناقل للصوت، لكن الحقيقة أكثر تعقيداً. في عام 2003، اكتشف علماء الفلك أن الغاز الكثيف المحيط بالثقب الأسود في عنقود "برسيوس" يعمل كوسيط لانتقال الموجات الصوتية. تلك الموجات تحمل أدنى نغمة تم اكتشافها على الإطلاق، وهي نغمة "سي بيمول" (B-flat) تقع 57 أوكتافاً تحت النغمة الوسطى، بحيث يستغرق اهتزازها مرة واحدة 10 ملايين سنة.
لكننا، كبشر، لا يمكننا سماع هذه النغمات في صورتها الطبيعية. لذلك، قام العلماء بتسريع الترددات لتناسب نطاق السمع البشري، ما يتيح لنا فرصة فريدة للاستماع إلى أصوات كانت حتى وقت قريب خارج متناول آذاننا.
الدلالات الفيزيائية: أكثر من مجرد صوت
ليست الأصوات الصادرة عن هذا الثقب الأسود مجرد ظاهرة علمية تثير الفضول؛ بل إنها تحمل دوراً فيزيائياً محورياً. الغازات والبلازما التي تشكل الوسط بين المجرات في العناقيد المجرية ليست فقط أكثر كثافة، لكنها أيضاً أكثر حرارة مقارنة بالوسط بين المجرات خارج العناقيد.
تعمل الموجات الصوتية كوسيلة لنقل الطاقة عبر البلازما الساخنة، مما يساهم في تسخين الوسط بين المجرات. هذه الحرارة، بدورها، تنظم معدلات تشكل النجوم على مدار مليارات السنين، ما يجعل الأصوات جزءاً من عملية تطور المجرات.
استماع الكون: عندما يتحول الضوء إلى صوت
لم يكن الثقب الأسود في "برسيوس" الوحيد الذي حصل على هذا "التعبير الصوتي". الثقب الأسود الشهير M87*، أول ثقب أسود تم تصويره مباشرة في عام 2019، خضع هو الآخر لتحويل بياناته البصرية إلى صوت. باستخدام أدوات مثل مرصد "تشاندرا" للأشعة السينية وتلسكوب "هابل" للضوء المرئي، تم تسجيل تدفقات مذهلة من المواد التي تنطلق بسرعات شبه ضوئية، مما أضاف بعداً آخر لفهمنا لهذه الكائنات الغامضة.
لكن هناك فرق كبير بين الصوتين. ففي حالة "برسيوس"، نحن نستمع إلى أمواج صوتية حقيقية تم استخراجها من الوسط المحيط. أما في حالة M87*، فإن الصوت هو نتيجة تحويل بيانات الضوء (الأشعة السينية، والضوء المرئي، والأمواج الراديوية) إلى نغمات، حيث تحمل البيانات الراديوية أدنى النغمات، بينما تُضاف النغمات الأعلى عبر الضوء المرئي والأشعة السينية.
التجربة البشرية في الفضاء
تحويل هذه البيانات إلى أصوات يوفر وسيلة إبداعية لفهم الكون بشكل جديد. هذه التجربة تتيح لنا، كبشر، التواصل مع الظواهر الكونية على مستوى حسي، وليس فقط على مستوى البيانات الجافة. كما أن هذه الطريقة تساعد العلماء على اكتشاف تفاصيل جديدة، لم تكن لتظهر باستخدام التحليل البصري التقليدي.
في الختام، إن ما قدمته "ناسا" هنا ليس مجرد تسجيل صوتي؛ بل هو نافذة تفتح لنا آفاقاً جديدة لفهم أعماق الكون. إن الاستماع إلى "غناء" الثقب الأسود يجعلنا ندرك كم هو مذهل ومهيب هذا الكون الذي نعيش فيه، ويدعونا للتفكير في مكاننا داخله.