نعم، هناك عوالم فضائية تقع خارج نظامنا الشمسي… وهذه بعضٌ من أروعها

5 د
بدأ اكتشاف الكواكب الخارجية عام 1992 مع رصد كوكبين حول نجم نابض.
حقق اكتشاف ميشيل مايور وديدييه كيلوز لكوكب "51 بيجاسي بي" ثورة في علم الفلك.
أكدت الاكتشافات اللاحقة وجود حوالي 6000 كوكب خارجي في مجرتنا.
يسمح التصوير المباشر برؤية الكواكب باستخدام الكرونوغراف لحجب ضوء النجوم.
لعصور طويلة ونحن نحدق في سماء الليل، نتساءل عن وجود عوالم غامضة تدور حول النجوم البعيدة. من مجرد تخيلات وتأملات فلسفية إلى واقع علمي، شهدت علوم الفضاء قفزات مذهلة في العقود الأخيرة، وخصوصًا ما يتعلق باكتشاف الكواكب خارج نظامنا الشمسي، أو ما يعرف بالكواكب الخارجية أو الـ"إكسوبلانتس".
بداية اكتشاف الكواكب الخارجية: رحلة مثيرة
بدأت القصة فعليًا عام 1992، عندما أعلن العالمان ألكسندر فولشزان وديل فريل عن رصد كوكبين يدوران حول نجم غريب وغير مألوف بالنسبة لنا، كان ذلك النجم "نجمًا نابضًا"، وهو نجم نيوتروني يدور بسرعة هائلة على نفسه مُطلقًا إشارات دورية. كان هذا الاكتشاف حينها مفاجئًا للعلماء، إذ كان الجميع يعتقدون أن أول الكواكب التي سنتمكن من اكتشافها ستكون كواكب شبيهة بالأرض تدور حول نجوم مشابهة تمامًا لشمسنا.

لكن المفاجأة الحقيقية جاءت عام 1995، حين رصد عالما الفلك ميشيل مايور وديدييه كيلوز للمرة الأولى كوكبًا خارجيًا يدور حول نجم شبيه بشمسنا، وعُرف هذا الكوكب باسم "51 بيجاسي بي". كان هذا الكشف ثوريًا بكل المقاييس، ونال العالمَان جائزة نوبل في الفيزياء عام 2019 تكريمًا لعملهما.

توالي الاكتشافات المذهلة
منذ ذلك الحين، توالت الاكتشافات بصورة سريعة ومذهلة. وحتى الآن، تمكن علماء الفلك من تأكيد وجود ما يقرب من 6000 كوكب خارج نظامنا الشمسي، واكتشفنا أن مجرتنا مليئة بالكواكب من كل الأنواع والأحجام. بل إن الدراسات تشير إلى أن الغالبية العظمى من النجوم التي نراها في سماء الليل صاحبة أنظمة كوكبية تدور حولها.
وقد غيّر فهمنا للكواكب الخارجية رؤيتنا بشكل عميق. فقد تعرّفنا على الكواكب الصخرية المشابهة للأرض، كما اكتشفنا كواكب غريبة تسمى "جوبيتر الساخنة"، وهي كواكب غازية عملاقة مثل المشتري، ولكنها تدور حول نجومها على مسافة قريبة جدًا فتتميز بحرارة هائلة وظروف مناخية لا نملك شيئًا مماثلًا لها في نظامنا الشمسي.
تصوير الكواكب مباشرة: من حلم إلى حقيقة
لعل النقلة النوعية الأخرى التي ميزت دراسات الكواكب الخارجية هي قدرتنا على التصوير المباشر لهذه العوالم. في الماضي، اعتمد العلماء على طرق غير مباشرة لاكتشاف الكواكب: على سبيل المثال رصد التأثير الطفيف للكوكب على نجمه أثناء دورانه، ولكن اليوم بات باستطاعتنا رؤية هذه العوالم الغريبة مباشرةً.
ولتصوير كوكب خارجي مباشرةً، يستخدم العلماء جهازًا خاصًا يسمى "الكرونوغراف"، وهو أداة تتيح لنا حجب ضوء النجم من الصورة، مثلما تقوم أنت بوضع يدك أمام الشمس في يوم مشرق لترى أفضل. بهذه الطريقة، يظهر الكوكب الخافت بجوار نجمه واضحًا في الصورة.
أبرز اللقطات المباشرة التي التقطتها التلسكوبات
عام 2004، التقط التلسكوب الأوروبي الضخم في صحراء أتاكاما بشيلي، أول صورة مباشرة لكوكب خارجي يُسمى "2M1207 b"، وهو كوكب غازي ضخم يصل حجمه إلى خمسة أضعاف المشتري، يدور حول نجم صغير يدعى "قزمًا بنيًا".

أما في عام 2008، فقد تم تصوير كوكب "فم الحوت بي" (Fomalhaut b) بواسطة تلسكوب هابل الفضائي. هذا الكوكب يدور بعيدًا جدًا عن نجمه، ويظهر في الصورة وهو يشق طريقه داخل حلقة ضخمة من الغبار الكوني.

كذلك، أحدث تلسكوب الفضاء "جيمس ويب" ثورة في هذا المجال، إذ التقط عام 2022 أول صورة مباشرة له لكوكب خارجي يُسمى "HIP 65426 b"، وهو عملاق غازي يدور بعيدًا جدًا عن نجمه ويبلغ عمره حوالي 15 إلى 20 مليون سنة فقط، مقارنةً بـ 4.5 مليار سنة عمر كوكبنا.

ولعل واحدة من أروع الصور التي تم التقاطها بالكاميرا الخاصة "جيميني" على تلسكوب جيميني في عام 2014، تمثل الكوكب الغازي "51 إريداني بي"، الذي يدور على مسافة هائلة من نجمه، والذي تقل سطوعيته بمليون مرة تقريباً عن نجمه الأم.

في صورة مذهلة نُشرت عام 2018، التقط علماء الفلك الكوكب الخارجي PDS 70b وهو لا يزال في مرحلة التكوّن، مشكّلًا نقطة برتقالية لامعة على يمين مركز الصورة، كما رُصد باستخدام أداة SPHERE على التلسكوب الكبير جدًا (VLT) التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي (ESO). يدور الكوكب حول النجم القزم PDS 70، المحاط بقرص هائل من الغبار والحطام — وهي بقايا المواد التي تكوّن منها النجم نفسه، وتشكل الأساس المحتمل للكواكب الوليدة.

في عام 2020، ولأول مرة، التقط الفلكيون صورة مباشرة لكوكبين خارجيين يدوران حول نجم شبيه بالشمس، TYC 8998-760-1، على بُعد 300 سنة ضوئية فقط من الأرض. الكوكبان، b و c، يظهران في الصورة في منتصف وأسفل اليمين، وقد تم التقاطهما بواسطة التلسكوب الكبير جدًا في صحراء أتاكاما بتشيلي.

في إنجاز غير مسبوق عام 2022، التقط تلسكوب جيمس ويب الفضائي أول صورة مباشرة لكوكب خارجي، هو HIP 65426 b، وهو كوكب غازي عملاق يقع على مسافة تفوق 100 مرة المسافة بين الأرض والشمس. يقدّر عمر هذا الكوكب بين 15 و20 مليون سنة فقط، وتُقدّر كتلته بما بين 6 و12 مرة من كتلة المشتري، ما يجعله شابًا نسبيًا مقارنةً بعمر الأرض البالغ 4.5 مليار سنة.

الكوكب HD 169142 b، ذو كتلة مشابهة للمشتري، تم رصده أثناء تشكّله في قرص غباري حول نجمه المضيف. باستخدام أداة SPHERE، لاحظ العلماء شكلاً حلزونيًا في الغبار، وهو أثر مباشر لحركة الكوكب داخل القرص. وقد أُعلن عن هذا الاكتشاف في دراسة نُشرت عام 2023.

Epsilon Indi Ab هو أحد أبرد الكواكب الخارجية التي تم تصويرها مباشرة حتى الآن، حيث تصل حرارته إلى نحو درجتين مئويتين فقط. يدور هذا "المشتري العملاق" حول نجم يُعرف باسم Epsilon Indi A، ويبعد 12 سنة ضوئية فقط عن الأرض. الصورة التقطها تلسكوب جيمس ويب باستخدام أداة MIRI المتخصصة في الأشعة تحت الحمراء، وقد تم إصدارها عام 2024.

في مارس 2025، أصدر العلماء صورة مذهلة لأربعة كواكب غازية عملاقة تدور حول النجم HR 8799، الذي لا يتجاوز عمره 30 مليون سنة. هذه الكواكب، الغنية بثاني أكسيد الكربون، تُعد نموذجًا قريبًا من كوكبي المشتري وزحل، ما يمنح الفلكيين نافذة رائعة لفهم تشكّل كواكب مجموعتنا الشمسية.

عالم الكواكب الخارجية: قيمة عظيمة لفهم وجودنا والمستقبل
إن اكتشاف هذه الكواكب وتصويرها هي خطوات هائلة لا تقربنا فقط من فهم طبيعة العوالم التي تحيط بنا في الكون، بل تعطينا أيضًا رؤى جديدة وتساعد العلماء في الإجابة عن أسئلة كبيرة: كيف تشكّل نظامنا الشمسي؟ وكيف تختلف أنظمة النجوم الأخرى عن النظام الذي نعيش فيه؟ وما مدى فرصة وجود حياة في مكان ما هناك بين تلك العوالم؟
ورغم أن التقنيات التي نستخدمها اليوم تسمح فقط بالتقاط صور أولية لهذه الكواكب، فإن المستقبل يبدو مذهلًا. هناك العديد من الرحلات الفضائية والتلسكوبات الجديدة التي يجري التخطيط لها أو قيد الإنجاز بالفعل، الأمر الذي قد يمنحنا صورًا أوضح وأكثر تفصيلًا لهذه العوالم البعيدة، مع كثير من الأسرار التي لا تزال في انتظار من يكشفها.