ذكاء اصطناعي

هل غيّرت إشعاعات هوكينغ شكل الكون؟ دراسة جديدة تُعيد إحياء نظرية بداية الكون

فريق العمل
فريق العمل

4 د

تشير دراسة جديدة إلى أن إشعاع هوكينغ قد يكون أثّر في بنية الكون المبكرة عبر ثقوب سوداء بدائية.

يُفترض أن هذه الثقوب الصغيرة الحجم أصدرت إشعاعات مكثفة أثّرت في توزيع المجرات والعناصر.

لم يتم رصد "بقايا هوكينغ" بشكل مباشر، لكن الدراسة وضعت قيودًا على كتلتها وخصائصها.

لا تشكل بقايا هوكينغ نسبة كبيرة من المادة المظلمة، لكن اكتشافها قد يفتح آفاقًا غير مسبوقة في الفيزياء الكونية.

في سبعينيات القرن الماضي، طرح الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ فرضية غيّرت المفاهيم السائدة عن الثقوب السوداء: تلك الأجسام الكونية التي اعتُبرت لزمن طويل مصائد جاذبية لا يمكن الإفلات منها، قد لا تكون مغلقة تمامًا، بل قد تُصدر إشعاعات حرارية تُعرف اليوم باسم "إشعاع هوكينغ". ورغم مرور أكثر من نصف قرن، لم تُرصد هذه الظاهرة بشكل مباشر بعد، لكنها لا تزال تشكل حجر أساس في الربط النظري بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة.

الآن، دراسة علمية جديدة نُشرت في Journal of Cosmology and Astroparticle Physics تقترح أن إشعاعات هوكينغ لم تكن مجرّد ظاهرة هامشية، بل ربما لعبت دورًا محوريًا في تشكيل البنية الكونية خلال لحظات الكون الأولى بعد الانفجار العظيم.


فرضية غير مألوفة: الكون البدائي سيطر عليه ثقب أسود!

يشير فريق الباحثين في دراسته إلى احتمال أن الكون المبكر مرّ بمرحلة هيمنت فيها ثقوب سوداء بدائية—أجسام نظرية يُعتقد أنها تشكلت من انهيارات كثيفة في الكثافة بعد الانفجار العظيم. وبخلاف الثقوب السوداء الناتجة عن موت النجوم أو تلك الهائلة في مراكز المجرات، فإن هذه الثقوب كانت صغيرة للغاية—بعضها يقل عن مئة طن من الكتلة—ما يجعلها قادرة على إصدار إشعاع هوكينغ بكثافة أعلى بكثير.

وجاء في نص الدراسة:


"من الاحتمالات المثيرة أن الكون البدائي كان يمر بمرحلة هيمنة كثافة طاقته من قبل ثقوب سوداء بدائية، والتي تبخرت لاحقًا عبر إشعاع هوكينغ. حتى وجود عدد صغير من هذه الثقوب قد يكون كافيًا للسيطرة على تطور الكون أثناء توسعه."


إشعاع هوكينغ: الجسر بين الفيزياء الكمية والنسبية

قدّم هوكينغ عام 1974 معادلات تظهر أن الثقوب السوداء لا تبتلع فقط، بل قد تبث إشعاعات أيضًا—وهو كشف جمع فيه بين قوانين النسبية العامة وميكانيكا الكم. ووفقًا لتلك المعادلات، فإن الثقوب السوداء تبعث بجزيئات من مختلف الأنواع، بما في ذلك الفوتونات، ولكن بمعدل منخفض جدًا كلما كانت كتلتها كبيرة.

هذا هو السبب الذي يجعل من المستحيل رصد هذه الإشعاعات من الثقوب النجمية أو العملاقة حتى الآن. ولكن إن كانت هناك ثقوب سوداء بدائية صغيرة الحجم نشأت في المراحل الأولى من الكون، فإن قدرتها على إصدار الإشعاع كانت أكبر بكثير، وقد يكون لها أثر ملموس في تكوين المجرات والعناقيد الكونية.


هل نرصد آثار "بقايا إشعاع هوكينغ" اليوم؟

الدراسة الجديدة بحثت فيما إذا كان لهذه الثقوب البدائية آثار باقية، يُطلق عليها اسم "بقايا هوكينغ" (Hawking relics)، وهي جسيمات قد تكون مستقرة إلى اليوم. وفي حال وُجدت، فإن بعضها عديم الكتلة قد يساهم في الخلفية الإشعاعية الكونية، ما يجعله قابلًا للرصد من خلال قياسات إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB).

وعبر نماذج رياضية تستند إلى معادلات النسبية العامة، قام الباحثون بتحليل تأثير هذه الجزيئات—سواء كانت سريعة الحركة أو عديمة الكتلة—على تكوّن البُنى الكونية. فعلى سبيل المثال، وجود عدد كبير من الجسيمات الخفيفة سريعة الحركة قد يعوق تشكّل المجرات الصغيرة، لعدم قدرتها على التجمّع لتكوين هياكل كثيفة.

إلا أن النتائج لم تسجّل دليلًا قاطعًا على وجود هذه البقايا، لكنها مكّنت الباحثين من وضع قيود صارمة على خصائص الثقوب السوداء البدائية، وعلى نوعية الجسيمات التي قد تكون انبعثت منها.

جاء في الورقة العلمية:


"إن وجود عدد كبير من الثقوب السوداء المتبخرة خلال فترة تشكّل النوى الذرية الأولى كان سيغيّر التوزيع المتوقع للعناصر في الكون. لذلك، يُشترط أن تكون هذه الثقوب قد تبخرت قبل هذه المرحلة، ما يضع حدًا أقصى لكتلتها عند نحو 500 طن."


هل يمكن أن تكون بقايا هوكينغ هي المادة المظلمة؟

المادة المظلمة تمثّل نحو 85% من المادة في الكون، ومع ذلك لم تُرصد بشكل مباشر حتى الآن. لذلك، افترض الفريق العلمي أن تكون بقايا هوكينغ مرشحًا لهذه المادة الغامضة. ولكن التحليل أظهر أن هذه البقايا لا تشكل أكثر من 2% من المادة المظلمة، حتى لو كانت الثقوب السوداء البدائية قد أنتجت عدة أنواع من الجسيمات.


المستقبل: نافذة محتملة على بداية الكون

رغم غياب أدلة مباشرة، يبقى الأمل معقودًا على أدوات الرصد المستقبلية الأكثر دقة، التي قد تكون قادرة على كشف هذه البقايا. إن تأكيد وجود إشعاع هوكينغ سيغيّر فهمنا للثقوب السوداء، ويمنح العلماء نافذة لا تقدر بثمن لدراسة الحالة الحرارية للكون المبكر، ما قد يربط بين علم الكونيات وفيزياء الجسيمات، ويفتح آفاقًا جديدة تتجاوز النموذج الفيزيائي القياسي.

ذو صلة

وخلص الفريق في نهاية بحثه إلى أن:


"اكتشاف بقايا هوكينغ سيفتح نافذة على الحالة الحرارية للكون البدائي، كما سيُحدث قفزة في علم فيزياء الجسيمات، وقد يمنحنا الدليل التجريبي الأول على إشعاع هوكينغ، وتبخّر الثقوب السوداء، ووجود الثقوب السوداء البدائية."

ذو صلة