ذكاء اصطناعي

الشمس تُمطر! لكن ما اكتشفه العلماء سيُغيّر فهمنا للفيزياء الشمسية بالكامل

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف العلماء "المطر الشمسي"، وهو كرات بلازما تهبط نحو سطح الشمس.

الإكتشاف يحسن نماذج الطقس الفضائي المؤثرة على الأرض.

العناصر الثقيلة كـ"الحديد" تلعب دوراً حاسماً في سرعة تشكل المطر الشمسي.

تحسين دقة نماذج التنبؤ يحمي التكنولوجيا الحديثة من المخاطر الفضائية.

الإكتشاف يفتح باباً لفهم أعمق للبنية النجمية وانتقال الطاقة بالنجوم.

في ظاهرة كونية لا تشبه شيئاً مما نراه على الأرض، أدهش العلماء اكتشافٌ حديث يغير فهمنا للشمس ولآليات عملها الخفية. فقد استطاع فريق من جامعة هاواي فك لغز ما يُعرف بـ "المطر الشمسي"، وهو سيل من كرات البلازما المتوهجة التي تتشكل أثناء الانفجارات الشمسية ثم تهبط مجدداً نحو سطح الشمس. هذا الاكتشاف لا يقتصر على كونِه كشفاً علمياً مدهشاً، بل يفتح أبواباً جديدة لتحسين نماذج التنبؤ بـ الطقس الفضائي الذي يؤثر مباشرة على كوكبنا.

وعند الانتقال إلى التفاصيل، يذكر الفريق أن ما حمل العلماء على الحيرة طوال عقود هو السرعة غير المتوقعة لتكوّن هذه الكتل من البلازما، إذ كانت النماذج النظرية تشير إلى أن الأمر يستغرق ساعات أو حتى أيام عقب حدوث التوهجات الشمسية، بينما المشاهدات العملية أثبتت أن العملية تحدث خلال دقائق معدودة. وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية، وهي إعادة النظر في افتراضات راسخة حول تركيب الإكليل الشمسي، أي الغطاء الجوي الخارجي للشمس.


دور العناصر في التجربة الجديدة

الباحث لوك بينافيتز وزميله الفلكي جيفري ريب توصلا إلى أن العنصر الحاسم يكمن في الحديد وغيره من العناصر الثقيلة في الغلاف الشمسي. فالنماذج القديمة كانت تفترض ثبات نسب هذه العناصر، إلا أن البيانات الحديثة تُظهر أنها تتغير بمرور الوقت، ومع هذا التغير يختلف سلوك البلازما وبالتالي يفسَّر تشكّل المطر الشمسي بشكل سريع. وهنا تظهر أهمية الفيزياء الدقيقة للعناصر في تفسير ما يجري فوق سطح نجمنا. وهذا الربط بين حركة العناصر وتكوّن المطر يفتح المجال لفهم أوسع للعمليات الديناميكية في المجال المغناطيسي للشمس.

ومن هنا ينتقل البحث إلى ما هو أبعد من مجرد تفسير نظرية؛ إذ إن هذه النتائج تنعكس مباشرة على حياة البشر. التوهجات الشمسية مرتبطة بموجات من الإشعاع الكوني والانبعاثات الكهرومغناطيسية التي قد تُعطّل الأقمار الصناعية، شبكات الكهرباء، وحتى أنظمة الملاحة الجوية. بتحسين دقة النماذج التي تتنبأ بسلوك الشمس، سيكون بالإمكان إعطاء تحذيرات أدق لمواجهة هذه المخاطر. وهذا يربط بين ما يحدث في الإكليل الشمسي وبين حماية التكنولوجيا الحديثة على الأرض.


إعادة التفكير في كيفية انتقال الطاقة

أحد أبرز استنتاجات ريب هو أننا ربما بالغنا في تقدير الزمن الذي تستغرقه عملية التبريد أثناء التوهجات الشمسية. فإذا كان تبدل نسب العناصر يؤثر على سرعة فقدان الحرارة، فهذا يعني أن تقديراتنا القديمة لطبيعة تدفق الطاقة عبر الإكليل لم تكن دقيقة. إعادة رسم هذه الصورة يفتح أمام علماء الفيزياء الفلكية باباً لإعادة التفكير في طريقة انتقال الطاقة في النجوم أيضاً، وليس الشمس وحدها. وهكذا يصبح المطر الشمسي أكثر من مجرد مشهد بصري فريد، بل مفتاحاً لفهمٍ أعمق للبنية النجمية.

ذو صلة

وفي ضوء هذه النتائج، يتضح أن العلم لا يزال يكتشف يوماً بعد يوم أسرار أقرب نجم إلينا. ما كان يبدو كظاهرة غامضة توضحه الآن بيانات دقيقة وتحليلات جديدة. وحين نتابع مستقبل هذه الدراسات، ندرك أن الأمن الفضائي على الأرض وأنظمة الاتصالات العالمية قد تعتمد بدرجة كبيرة على كيفية فهمنا لهذه “الأمطار النارية” المستعصية.

ما كشفه الباحثون من هاواي ليس مجرد تفصيل صغير في علم الشمس، بل انعطافة نحو فهم أكثر عمقاً لدورة الطاقة والمواد داخل نجمنا. المطر الشمسي لم يعد محيراً كما كان، بل أصبح دليلاً على أن الشمس لا تزال تخبئ لنا أسراراً، وأن الإنسان ماضٍ في كشفها خطوة بخطوة، لما فيه خدمة العلم وحماية حضارتنا الرقمية من تقلبات الفضاء.

ذو صلة