ذكاء اصطناعي

العالم يشهد ولادة أول شريحة 6G: سرعات خيالية تتجاوز 100 جيجابت في الثانية

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

طور باحثون صينيون أول شريحة تدعم كافة ترددات 6G بسرعات تتجاوز 100 جيجابت بالثانية.

الشريحة صغيرة تتكون من مادة الليثيوم نايوبِيت وتغطي ترددات من 0,5 إلى 115 جيجاهرتز.

تهدف تكنولوجيا 6G لدمج الذكاء الاصطناعي مع الشبكات لتمكين تطبيقات جديدة.

يتوقع بدء الاعتماد على شبكات 6G تجاريًا بحلول عام 2030.

تشكل الشريحة المبتكرة قاعدة لتطبيقات المستقبل والربط الشبكي في المدن الذكية.

هل تخيلت يوماً أنّ بإمكان هاتف صغير أن يحمّل فيلماً بدقّة عالية في ثوانٍ؟ يبدو أن هذا الحلم بات أقرب إلى الواقع بعد أن أعلن فريق باحثين صينيين عن تطوير أول شريحة إلكترونية في العالم تدعم جميع ترددات شبكات الجيل السادس (6G)، وتسجّل سرعات مذهلة تفوق 100 جيجابت في الثانية. خطوة جديدة في سباق التكنولوجيا قد تغيّر مفاهيمنا عن الإنترنت والطريقة التي نعيش بها.

الباحثون من جامعتي بكين ومدينة هونغ كونغ استطاعوا بفضل هذا الإنجاز أن يقرّبوا العالم كثيراً من عصر الجيل السادس الذي يعد بنقلة جبّارة مقارنةً بتقنيات الجيل الخامس (5G)، سواء من حيث الكفاءة أو سرعة نقل البيانات أو حتى الاستجابة اللحظية، وهو ما يسمى بالكمون المنخفض. واللافت في هذا الابتكار أن الشريحة صغيرة الحجم—أصغر من ظفر الإبهام—لكنها تجمع كل “عصب” الاتصالات اللاسلكية المعتادة في حزمة واحدة.

وهذا يربط بشكل مباشر بين الثورة التقنية القادمة وآمال المستهلكين بإنترنت أكثر ذكاء وسرعة وقدرة على مجاراة احتياجات المدن الذكية والصناعات المتطورة.


شريحة صغيرة بإمكانات عملاقة

لقد استطاع المهندسون ضغط نظام لاسلكي كامل في دائرة لا يتجاوز مقاسها 11 ميليمترًا طولًا و1.7 ميليمتر عرضًا، وهي مصنوعة من مادة تُدعى “الليثيوم نايوبِيت الرقيق” المشهورة بخواصها البصرية الفريدة. ولعل التحدي الأكبر الذي تغلَّب عليه الفريق هو تشغيل هذه الشريحة على طيف واسع جداً من الترددات يتراوح بين نصف جيجاهرتز و115 جيجاهرتز، إذ أن الوصول إلى هذه القدرة كان يتطلب سابقاً استخدام تسع منظومات راديوية منفصلة لكل تردد!

تتكامل قوة الشريحة من خلال وحدات دقيقة قادرة على تعديل وتحويل الإشارات من الموجات الراديوية إلى ضوء ثم إلى ترددات ميكروية وتيراهيرتزية. وكلمة “تيراهيرتز” هنا تشير لمنطقة فائقة من الطيف الترددي، لم تكن متاحة للاستخدام العام في شبكات اتصال المستهلكين من قبل. أما ميزة الضبط السريع للترددات عبر الشريحة—الذي يقتصر زمنه على أقل من 200 ميكروثانية—فهي تضمن استقرار الإشارة ونقاوتها الفائقة، وهو ما سيفتح باباً واسعاً لتطبيقات الواقع الافتراضي، السيارات الذاتية القيادة، وحلول الإنترنت الصناعي.

ومع القدرة على تجاوز قفزة السرعة إلى أكثر من 100 جيجابت بالثانية، تبدو هذه الشريحة محطة فاصلة في التطور الشبكي الحديث، وتخلق قاعدة جديدة لمستوى خدمات الإنترنت العالمية.


ما هو مستقبل الجيل السادس 6G؟

عند ذكر الجيل السادس، قد يظن البعض أن الأمر مجرد تحديث تقني اعتيادي. لكن الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. نحن نتحدث عن بنية جديدة كلياً للشبكات، حيث تندمج الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد، وتتوفر إمكانات الربط اللحظي بين الأجهزة، من الأدوات المنزلية وحتى السيارات الذكية والمنشآت الصناعية الضخمة. أيضًا ستعمل 6G على تمكين تطوير تطبيقات وتكنولوجيات لم نختبرها من قبل، مثل الهولوجرام ثلاثي الأبعاد عالي الدقة، والجراحات الطبية عن بُعد بسرعات عالية، بل وربما تدخل في نُظم الربط الفضائي وإنترنت الفضاء مستقبلاً.

مع ذلك، يُتوقع خبراء التقنية أن بدء الاعتماد التجاري الواسع على هذه الشبكات لن يحدث قبل عام 2030، حيث لا تزال هناك تحديات متعلقة بإنجاز البنية التحتية الضخمة، فضلاً عن تطوير أجهزة المستقبل القادرة على الاستفادة القصوى من هذه الإمكانات.

ومن هنا، يتضح أن الابتكار الجديد ليس نهاية المطاف، بل هو الخطوة الجوهرية التي ستدفع عجلة الابتكار نحو مصانع المستقبل، منازل ذكية، وحلول للربط الشبكي لم تكن ممكنة سابقًا.


سباق المستقبل يقترب من نقطة الانطلاق

ذو صلة

في ظل هذا التطور اللافت في معالجات ترددات الراديو وتقنيات الرقاقة الضوئية والكهروضوئية، تقترب لحظة التحول الرقمي الكبير التي ستبدّل كل ما نعرفه عن الاتصالات وبنية الإنترنت. الأبحاث والدراسات في هذا الميدان، بما فيها تلك المنشورة في مجلات مثل "نيتشر"، تبرهن أن العصر القادم يحمل في جعبته اتصالاً لاسلكياً غير مسبوق، وربما يقلب طريقة تدفق المعلومات والحياة اليومية رأساً على عقب. علينا فقط أن ننتظر وربما نستعد لتغيير طريقتنا في التعامل مع كل ما هو “ذكي” في حياتنا.

وبهذا، لا يبدو أن شريحة الجيل السادس مجرد جهاز إلكتروني صغير، بل هي بوابة عبور نحو واقع لم نشهد مثله من قبل—ينبض بذكاء وسرعة لا حدود لهما.

ذو صلة