ذكاء اصطناعي

المحيطات تغرق في الظلام… تحذير علمي من كارثة بيئية لا رجعة فيها!

المحيطات تغرق في الظلام… تحذير علمي من كارثة بيئية لا رجعة فيها!
فريق العمل
فريق العمل

3 د

تفقد المحيطات نورها وتغرق في الظلام، مهددة النظام البيئي البحري.

كشفت دراسة أن 20% من المحيطات أصبحت أغمق بين 2003 و2022.

تؤدي الظاهرة إلى تناقص "المنطقة الضوئية"، مما يضغط على الحياة البحرية.

تُعزى المشكلة للتغير المناخي وتراكم الجسيمات، خاصة في المحيط الجنوبي.

تراجع الضوء يتحدى التوازن البيئي ويؤثر على الصيادين ومعيشة البشر.

هل تخيلت يومًا أن المحيطات الشاسعة التي عهدناها زرقاء صافية قد تغرق في ظلام دامس؟ حسناً، هذا السيناريو لم يعد جزءًا من الخيال العلمي، بل أصبح حقيقة مقلقة أكدها عدد من العلماء والخبراء في دراسة حديثة.

كشفت الدراسة التي نشرتها مجلة Global Change Biology، أن أكثر من 20% من المحيطات حول العالم أصبحت أغمق بشكل ملحوظ خلال الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2022. هذا الظلام المتزايد في مياه البحار لا يعد مجرد تغيرٍ بسيط في اللون، بل يمثل تهديدًا مباشرًا للمنظومة البيئية البحرية بأكملها، وذلك لأن ضوء الشمس ضروري جدًا لما يسمى بـ"المنطقة الضوئية" في المحيط، حيث تتم عملية البناء الضوئي التي تعتمد عليها أغلب المخلوقات البحرية، وخاصة العوالق النباتية– كائنات مجهرية تعد أساس سلسلة الغذاء البحرية، وهي مسؤولة أيضًا عن إنتاج نصف الأكسجين الذي نتنفسه على سطح الأرض.

وترتبط هذه الظاهرة بنطاق لا يُصدق، إذ أظهرت صور الأقمار الصناعية والبيانات الحديثة أن مساحة تبلغ حوالي 75 مليون كيلومتر مربع – وهي مساحة تعادل مساحة أفريقيا وأوروبا والصين وأمريكا الشمالية مجتمعة – شهدت انخفاضًا واضحًا في مقدار الضوء المنساب إليها. وتقلصت "المنطقة الضوئية" في بعض المناطق البحرية ما بين 50 إلى 100 متر، الأمر الذي يشكل ضغطًا كبيرًا على الحياة البحرية ويسبب تكدس الأنواع الحية بالقرب من السطح بحثاً عن الضوء والغذاء.

وهذا يقودنا إلى التساؤل: ما هي الأسباب وراء هذه الظاهرة الخطيرة؟ وفقًا للدكتور توماس ديفيز، الباحث في علوم البحار من جامعة بليموث، فإن السبب لا يعود فقط إلى تلوث مياه الشواطئ بمخلفات الإنسان أو الرواسب والنفايات القادمة من اليابسة، بل إن ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ العالمي تلعب دورًا رئيسيًا. يؤثر ارتفاع حرارة الأرض في إضعاف دوران المياه وتغيير التيارات البحرية، ما يؤدي إلى تراكم الجسيمات والكائنات الدقيقة وتغير تركيزاتها، وبالتالي تقل كمية الضوء التي تصل إلى أعماق أكبر في المحيط. وتشمل المناطق الأكثر تأثرًا "المحيط الجنوبي" والمنطقة التي يمر بها تيار الخليج بالقرب من سواحل جرينلاند.

ولأن أغلب أشكال الحياة في المحيط تعتمد على الضوء بشكل كبير لغرض الصيد، والتكاثر، وتحديد توقيت دورات حياتها البيولوجية، فإن الظلام المتزايد في هذه المناطق يشكل تهديدًا حقيقيًا لتلك الأنواع. هذه المشكلة تدفع الكائنات البحرية للصعود إلى مساحات أقل عمقًا وأكثر ازدحامًا، مما يزيد من التنافس على الغذاء والموارد، الأمر الذي ينتج ضغطًا مضاعفًا يهدد بانهيار شبكة الغذاء البحرية الدقيقة والهشة.

ولا يقتصر التأثير فقط على حياة البحر، بل يمتد ليشمل حياة البشر كذلك. إذ نبه البروفيسور أوليفر زيلينسكي، مدير معهد ليبنيز لأبحاث بحر البلطيق، إلى خطورة هذه الظاهرة وتأثيرها على الصيد، مؤكداً على أهميتها في الحفاظ على التوازن البيئي والمناخي. فهو يشدد على أن تراجع المنطقة الضوئية قد يقوض قدرة المحيطات على استيعاب الكربون وتنظيم التغير المناخي، وبالتالي يتأثر الصيادون وخاصة في الدول النامية، حيث تتأثر سبل معيشتهم بشكل كبير بهذا التغير البيئي المقلق.

ذو صلة

اللافت أيضًا أن الدراسة تحدثت عن ظاهرة معاكسة في بعض المناطق، فحوالي 10% من مساحة البحار العالمية أصبحت أكثر إضاءة في نفس الفترة الزمنية، مثل السواحل الغربية لإيرلندا. ورغم ما يوحيه هذا التحول من إيجابية، إلا أن الخبراء يحذرون من أن هذا الإشراق المفاجئ لا يعد خبرًا سارًا على الإطلاق، بل على العكس، هو قد يشير إلى انخفاض في تركيز العوالق النباتية نفسها، مما يعتبر مؤشرًا آخر على تحول بيئي مقلق وهش.

في الختام، هذه النتائج العلمية تدفعنا لإعادة التفكير في نمط تعاملنا مع البيئة البحرية. واقع المحيطات الجديدة يتطلب اهتمامًا عالمیًا مكثّفًا، وتعزيز الأبحاث حول علاقة تغير المناخ باستدامة الأنظمة البيئية. فقط بتحرك دولي سريع ومسؤول، قد نتمكن من حماية هذه النظم الحيوية من التداعيات السلبية الطويلة الأمد، وإنقاذ مستقبل الكائنات البحرية التي تتشارك معنا كوكبنا الأزرق الجميل.

ذو صلة