ثروة مدفونة على ارتفاع شاهق: كنز نحاسي بـ20 مليون طن يُشعل نار الصراع بين عمالقة العالم

4 د
اكتشاف احتياطي ضخم يزيد عن 20 مليون طن من النحاس عالي الجودة في هضبة التبت بالصين.
تشير التقديرات إلى وجود 150 مليون طن إضافية في أربعة مواقع مجاورة.
تعزز الصين استقلالها المعدني وتكتسب نفوذاً جيوسياسياً جديداً وسط قلق عالمي متزايد.
يطرح المشروع تحديات بيئية واقتصادية مع سعي لتحقيق تنمية متناغمة ومستدامة في المنطقة.
في كشف جيولوجي مذهل استقطب اهتمام خبراء التعدين حول العالم، أعلنت الصين عن اكتشاف احتياطي ضخم من النحاس يزيد عن 20 مليون طن في هضبة التبت بمنطقة تشينغهاي-شيزانغ، في موقع لم يكن متوقعاً من قبل. هذا الاكتشاف الاستثنائي، الذي يعد من أكبر احتياطيات النحاس الموثقة حتى اليوم، يهدد بإعادة تشكيل خريطة أسواق المعادن العالمية، وبتعزيز جهود التحول نحو الطاقة النظيفة.
نقلة نوعية في مشهد الموارد العالمية
يقع الاكتشاف الجديد في أعالي الهضبة التبتية النائية، حيث أكدت المسوحات الجيولوجية أن الموقع الرئيسي يحتوي على أكثر من 20 مليون طن من خام النحاس عالي الجودة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ تشير التقديرات إلى أن أربعة مواقع مجاورة قد تحوي مجتمعة نحو 150 مليون طن إضافية من هذا المعدن الاستراتيجي، بحسب ما نقلته صحيفة Farmingdale Observer.
ويمثل هذا الكشف تحولاً محورياً في قدرة الصين على تحقيق استقلالية مواردها المعدنية، إذ من المتوقع أن يغطي نحو ثلثي احتياجاتها المحلية من النحاس، وهو ما يعزز مكانتها كقوة عظمى في مجال المعادن الحيوية. يأتي هذا في وقت تشهد فيه أسعار النحاس ارتفاعاً قياسياً مدفوعاً بالطلب العالمي المتزايد، مما يجعل التوقيت مثالياً لاستغلال هذا المورد الثمين.
تحديات استخراجية وابتكارات تكنولوجية
رغم أهمية الاكتشاف، فإن استخراج النحاس من أعالي الهضبة التبتية لا يخلو من تحديات قاسية. فظروف المناخ القاسية والارتفاعات الشاهقة تتطلب حلولاً تكنولوجية متطورة. ولهذا، يعمل المهندسون الصينيون على تطوير تقنيات استخراج مبتكرة، مثل الطائرات المسيرة الذاتية والروبوتات الحفرية المتخصصة، المصممة خصيصاً لتحمّل قسوة المناخ في تلك المناطق. ويتوقع خبراء أن تساهم هذه الابتكارات لاحقاً في إحداث نقلة نوعية في تقنيات التعدين على مستوى العالم.
النحاس: المحرك الخفي لثورة الطاقة الخضراء
لا يمكن التقليل من أهمية النحاس في التكنولوجيا الحديثة. إذ تتطلب كل عنفة رياح واحدة نحو أربعة أطنان من النحاس، بينما تحتاج السيارات الكهربائية إلى كمية من النحاس تزيد أربع مرات مقارنة بالسيارات التقليدية التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. كما تعتمد ألواح الطاقة الشمسية وشبكات الطاقة والبنية التحتية الرقمية بشكل رئيسي على هذا المعدن الموصل للطاقة.
ويأتي اكتشاف تشينغهاي في لحظة محورية، حيث تتسابق الصناعات العالمية نحو تبني حلول الطاقة المتجددة. ويتوقع محللون أن يُسهم هذا الاحتياطي الجديد في تزويد ملايين السيارات الكهربائية والمرافق الشمسية والأجهزة الإلكترونية بالمواد الخام الأساسية خلال العقود المقبلة، مما يحوّل الهضبة التبتية إلى مركز عصري لسباق الموارد.
تغييرات جيوسياسية محتملة بسبب السيطرة على النحاس
يتجاوز تأثير الاكتشاف الجانب الاقتصادي ليطال موازين القوى العالمية. فمن خلال سيطرتها على هذه الكميات الهائلة من النحاس، تكتسب الصين نفوذاً دبلوماسياً إضافياً يطال سلاسل الإمداد العالمية، وقدرات التصنيع، وحتى جداول التحول للطاقة النظيفة.
وقد عبّرت دول غربية عن قلقها من هذا التحول في ميزان القوى. ففي حين تعمل أستراليا وتشيلي، وهما من كبار منتجي النحاس، على تسريع عمليات التنقيب والإنتاج، بدأت كازاخستان بإعادة تقييم استراتيجياتها المتعلقة بالمعادن النادرة لمواجهة المنافسة الجديدة.
ويرى محللون أن هذه التطورات تؤسس لما يمكن تسميته "حرباً باردة على الموارد"، حيث يصبح الوصول إلى المعادن الحيوية عاملاً أساسياً في رسم ملامح التنافس الجيوسياسي، على غرار اكتشافات الفضاء غير المتوقعة التي تعيد تشكيل التصورات العلمية.
بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة
رغم الوعود الاقتصادية الضخمة، يثير المشروع مخاوف بيئية كبيرة. إذ تحتضن هضبة تشينغهاي-شيزانغ أنظمة بيئية هشة ومجتمعات بدوية تقليدية مهددة الآن بتداعيات التصنيع السريع. وقد حذرت منظمات بيئية من خطر تدمير المواطن الطبيعية وتلوث مصادر المياه وتهجير السكان المحليين بسبب أنشطة التعدين واسعة النطاق.
في محاولة للحد من الأضرار، تبنت شركات التعدين الصينية تقنيات استخراج صديقة للبيئة، مثل أنظمة إعادة تدوير مياه الصرف وأساليب استخراج خالية من المتفجرات وبرامج لتعويض انبعاثات الكربون. وأكد المسؤولون الصينيون التزامهم بما أسموه "تنمية متناغمة" تجمع بين المكاسب الاقتصادية وحماية البيئة.
تحوّل اقتصادي شامل في تشينغهاي
إلى جانب الآثار البيئية، يشهد إقليم تشينغهاي تحولات اقتصادية غير مسبوقة. فقد توسعت البنية التحتية بشكل ملحوظ، وظهرت فرص تعليمية ووظيفية جديدة للسكان المحليين. إلا أن تساؤلات تبقى قائمة بشأن استدامة هذا النمو على المدى الطويل، وسط تحذيرات من تكرار أنماط "الازدهار والانهيار" التي شهدتها مناطق التعدين الأخرى عبر التاريخ.
وللحد من هذا الخطر، استثمرت السلطات الصينية في إنشاء مراكز أبحاث ومنشآت معالجة صناعية، بهدف خلق منظومة اقتصادية متنوعة تتجاوز مجرد استخراج الموارد الخام، ساعية إلى ضمان تطور متوازن ومستدام للمنطقة.