ذكاء اصطناعي

خيانة من نوع جديد: الذكاء الاصطناعي يدخل على خط العلاقات العاطفية

مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

أصبحت الخيانة رقمية مع تحول العلاقات إلى الحوارات مع روبوتات الذكاء الاصطناعي.

كشفت دراسة أن 61٪ يرونها خيانة تشبه التقليدية تمامًا.

اعتبر 30٪ المحادثات الافتراضية الحميمة انتهاكًا للثقة بين الشريكين.

التقنية تعيد رسم حدود الحميمية الرقمية وتساهم في الغيرة الإلكترونية.

الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا معقدًا من النقاش حول الوفاء العاطفي.

في زمنٍ ليست بعيدة، كانت الخيانة الزوجية أو العاطفية أمراً يسهل فهمه وتقليدي: لقاءات سرية، رسائل نصية غامضة، أو حتى نفقات غير مبررة على بطاقة الفندق. لكن المشهد اليوم تغيّر كلياً. بدأت ملامح الخيانة تأخذ طابعاً جديداً مع دخول تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث بات بعض الأشخاص يميلون لإجراء محادثات حميمية أو حتى إقامة علاقات مشاعرية مع روبوت دردشة رقمي. وهذا التحول فتح باب التساؤلات حول حدود الوفاء العاطفي في عصر التقنيات.

كشفت دراسة حديثة على الصعيد الوطني أجرتها منصة الاستشارات العاطفية بالتعاون مع معهد كينزي المرموق، أن معظم العُزّاب يرون في التورط العاطفي أو حتى ممارسة تبادل الرسائل الجريئة مع روبوت ذكاء اصطناعي نوعاً واضحاً من الخيانة. في أرقام صادمة للكثيرين، أيّد 61 في المئة من العينة المستطلعة هذا الموقف الصارم، معتبرين أن التورط مع الذكاء الاصطناعي، عاطفياً أو جنسياً، لا يقل إثماً عن الخيانة التقليدية.

وتتعمق الدراسة في تفاصيل هذا التحول، فثلاثة من كل عشرة أفراد يعتبرون مجرّد محادثة جنسية افتراضية مع برنامج ذكاء اصطناعي انتهاكاً للثقة. بينما يرى 29 في المئة أن تكوين علاقة عاطفية، حتى وإن كانت غير حقيقية، مع كائن رقمي يُعد خروجاً كبيراً عن المألوف. هذا يثير تساؤلات عديدة حول رؤية الأجيال الجديدة للعلاقات، خصوصاً مع تأكيد 72 في المئة أن إرسال رسائل جريئة مع شخص حقيقي خارج إطار العلاقة لا يمكن تبريره أيضاً. أي أنّ الذكاء الاصطناعي أصبح منافساً "جارحاً" حتى للبشر في معركة الغيرة والرومانسية!


الغيرة الرقمية: حين تتحوّل الشكوك التكنولوجية إلى هوس

ومن المهم هنا الإشارة إلى أن مشاعر الريبة والقلق ليست ظاهرة مستحدثة مع الصعود التقني السريع. فقد أظهرت الاستطلاعات أن نحو نصف الأشخاص سبق لهم الشك في تصرفات شريكهم نتيجة اعتقادهم بتورطهم في علاقة أخرى. ووفقاً للأرقام، فإن 85 في المئة ممن انتابتهم تلك الشكوك أقدموا بالفعل على اتخاذ خطوات عملية للتيقن من الأمر، سواء بمواجهة الشريك، تفتيش الهاتف، أو حتى تتبع الموقع. وما فعله الذكاء الاصطناعي هنا هو أنه زوّد صندوق أدوات الشك بمستوى إضافي، فأصبحت تطبيقات المحادثة الآلية تهدد صلابة الروابط الإنسانية، ما بين سرية الهوية الرقمية وانعدام الحدود بين العلم والخيال.

وهذا يجرّنا للحديث عن كيف أعادت التكنولوجيا رسم حدود "الحميمية الرقمية". فما كان يوماً مجرد ترفيه أو خيال—كالحديث مع عارض أو عارضة في غرف الدردشة، أو متابعة حسابات خاصة على منصات مثل OnlyFans—صار اليوم يُنظر إليه باعتباره تجاوزاً خطيراً أو حتى خيانة صريحة. لم تعد أدوات الذكاء الاصطناعي كمالية أو مجرد موضة عابرة، بل أصبحت حجر أساس في قلب النقاش المجتمعي.

وفي ذات السياق، تشكّل ميزة "الدعم العاطفي من الروبوتات" أحد أكثر الجوانب استفزازاً للعلاقات. فمحادثات الواتساب، و"السكستنج" مع كائن افتراضي وبرمجيات شات جي بي تي أو ربوتات مماثلة، لم تعد أمراً نظرياً أو مقتصراً على أحداث مسلسل خيالي مثل "بلاك ميرور"، بل صارت واقعاً معاشاً في منازلنا كل ليلة، أحياناً حتى والشريك الحقيقي تحت سقف الغرفة نفسها. وهكذا، يتبادر سؤال مثير: هل بدأت التكنولوجيا تعيد تعريف العلاقة الرومانسية وتحدد معايير جديدة للولاء والانتماء؟


الذكاء الاصطناعي يختبر حدود العلاقة الإنسانية

ذو صلة

ومع كل هذا، صار من الواضح أننا تجاوزنا سؤال "هل الذكاء الاصطناعي مكانه الطبيعي في العلاقات العاطفية؟"، فما عاد الأمر محل سناريوهات مستقبلية أو فرضيات أكاديمية. التقنية الرقمية اليوم صارت بالفعل ضيفاً ثقيلاً على طاولة العلاقات الأسرية وربما أيضاً قنبلة موقوتة في لحظات الضعف العاطفي. والسؤال الملح: كيف ستتكيّف المجتمعات مع هذا الواقع بعدما تخطى الذكاء الاصطناعي الحدود المألوفة، وكسَر الحواجز التي كانت حتى الأمس القريب تبدو آمنة؟

في النهاية، يبدو أن الثورة الرقمية لا تقتصر فقط على الأدوات والبرمجيات بل تتعداها لتعصف بجوهر العلاقات العاطفية. بين الغيرة الإلكترونية، والخيانة الرقمية، والتشابك بين الحميمية الافتراضية والحياة الواقعية، دخل الذكاء الاصطناعي كلاعب رئيسي لا يمكن استبعاده من الحديث عن الحب والثقة. ومع تقدم الزمن وازدياد أدوار الروبوتات والذكاء الاصطناعي، ربما سنشهد إعادة تعريفٍ جذرية لمعنى الخيانة وحدود العلاقة في العصر الإلكتروني. فما هو القَدَر الذي ينتظر قلوبنا في زمن الذكاء الاصطناعي؟ وحدها الأيام ستكشف!

ذو صلة