ذكاء اصطناعي

صخور من خارج مجرّتنا!! ناسا وشركاؤها يحاولون صيد شظايا الكون البعيد

صخور من خارج مجرّتنا!! ناسا وشركاؤها يحاولون صيد شظايا الكون البعيد
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

في عام 2017، اكتشف العلماء الجسم الفضائي "أومواموا" من خارج نظامنا الشمسي.

تصميم "أومواموا" الغريب وسرعته العالية جعلت دراسته عن قرب تحديًا كبيرًا.

تخطط وكالات الفضاء لمهمات مستقبلية مثل "كوميت إنترسبتور" لدراسة الأجسام هذه.

تقنيات الدفع الفضائي الجديدة والمواد المتطورة أمر ضروري لتجاوز العقبات التقنية.

مرصد فيرا روبن يهدف لاكتشاف المزيد من الزوار الفضائيين في السنوات المقبلة.

عندما اقتحم جسم فضائي غريب مجموعتنا الشمسية في نهاية عام 2017، أثار هذا الحدث دهشة كبيرة بل وتحول إلى حديث الساعة بين علماء الفضاء في أنحاء العالم. هذا الجسم، الذي أطلق عليه العلماء لاحقًا اسم "أومواموا" وهي كلمة من اللغة الهاوايية تعني "الكشّاف"، كان أوّل جسم فضائي مثبت علميًا قد وصل إلينا من خارج نظامنا الشمسي.


كيف نعرف أن هذا الجسم من خارج نظامنا الشمسي؟

شكل هذا الجسم الغريب لم يكن مشابهًا للمذنبات أو الكويكبات المعروفة في نظامنا. فقد وصل طوله إلى حوالي 400 متر، لكنه كان شديد الطول والاستطالة بشكل غامض، وهو أمر نادر الحدوث، إذ بلغ طوله حوالي عشرة أضعاف عرضه. ويعتقد العلماء أن "أومواموا" سافر لمئات ملايين السنوات في مجرة درب التبانة، بعد أن تم قذفه من نظامه الشمسي الأصلي بسبب اصطدام كوني هائل بين كواكب أو كتل صخرية ضخمة. بعد "أومواموا"، بعدة سنوات قليلة في 2019، ظهر جسم آخر يدعى "مذنب بوريسوف"، تم اكتشافه بواسطة عالم فلك هاوٍ في شبه جزيرة القرم.


ما الذي يمنعنا من دراسة هذه الأجسام عن قرب؟

أنت بالتأكيد تتساءل الآن: لم لا نرسل مسبارًا فضائيًا ليقترب من أحد هذه الأجسام ويدرُسُه عن قرب؟ الجواب ببساطة: سرعة هذه الأجسام الفائقة تمنحنا وقتًا قصيرًا جدًا للتحرك. فمثلُا، سرعة "أومواموا" وصلت لحوالي 32 كيلومترًا في الثانية، وهذا يعني أنه كان أمام العلماء وقت لا يزيد عن سنة واحدة فقط بعد اكتشافه لمحاولة اللحاق به، وهذه مهمة تتطلب استعدادًا مُسبقًا وتقنيات متطورة للغاية.


كيف نحاول التغلب على هذا التحدي؟

الكثير من وكالات الفضاء حاليًا بدأت بالتحرك والتخطيط لإرسال مهمات خاصة تُعنى باصطياد أو الاقتراب من هذه الأجسام بين النجوم عند اكتشافها. على سبيل المثال تعمل وكالة الفضاء الأمريكية ناسا على مفهوم مهمة "بريدج"Bridge، فيما تجهز وكالة الفضاء الأوروبية ESA ما يسمى بمهمة "كوميت إنترسبتور"Comet Interceptor، والمقرر إطلاقها عام 2029.


ما هي خطة "كوميت إنترسبتور"؟

تقوم فكرة مهمة "كوميت إنترسبتور" على وضع مركبة فضائية رئيسية ترافقها مركبتان روبوتيتان صغيرتان في نقطة قريبة ومنتظرة في الفضاء، بحيث تكون جاهزة للتحرك فور اكتشاف وصول جسم بين نجمي أو مذنب جديد. هكذا، يمكن تقليل الوقت المستغرق بين لحظة اكتشاف الجسم وانطلاق المركبة نحوه، وبالتالي رفع فرص النجاح في دراسته عن قرب.


تحديات تقنية جديدة لمهمات من هذا النوع

لكن رغم ذلك، تبقى بعض المشكلات قائمة. فالسرعة العالية التي تتطلبها هذه المهمات، تضع المهندسين والعلماء أمام تحديات تقنية حقيقية. هنا يأتي دور الجيل التالي من تقنيات الدفع الفضائي، كالأشرعة الشمسية التي تعتمد على الضوء كمصدر طاقة نظيف لإعطاء المركبات سرعات عالية دون الاعتماد على الوقود الثقيل التقليدي.


تقنيات متقدمة في المواد والأتمتة

ليس هذا كل شيء، علماء المواد دخلوا أيضًا في السباق لإيجاد مواد خفيفة الوزن قوية للغاية ومقاومة لعوامل التآكل الشديدة في الفضاء، للمساعدة في حماية المركبات الفضائية أثناء اقترابها من هذه الأجسام السريعة. ويجرى في هذا السياق البحث في مواد متطورة مثل ألياف الكربون المُبتكرة وكذلك بعض المواد الخزفية وغيرها.

إلى جانب ذلك، فإن التطور المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتطبيقاتها المتقدمة في التحكم والتوجيه التلقائي للمركبات الفضائية، سيعطي هذه المهمات قدرة كبيرة على اتخاذ القرارات السريعة بأسرع وقت ممكن خلال أقرب لقاء مع تلك الأجسام الفضائية.


تلسكوبات مستقبلية: احتمالات اكتشاف عشرات الزوار الفضائيين

قريبًا جدًا، سيبدأ مرصد فيرا روبن في تشيلي القيام بمسح شامل لسماء الليل، والمتوقع أن يتيح اكتشاف عشرات الأجسام الفضائية الغريبة من خارج مجموعتنا الشمسية كل عام. هذا يعني أن أنظار البشرية ستلتفت نحو مزيد من الزوار العابرين لمجموعتنا الشمسية، وربما يكون من بينها أجسام قادمة من مجرات بعيدة.


تحديات التمويل والمستقبل

على الرغم من الطموح وحماس العلماء الهائل، تأتي التحديات المالية كعقبات رئيسية أمام هذه المشاريع الضخمة. فالعديد من التليسكوبات والمهمات الفضائية قد تواجه تخفيضات في التمويل بسبب القرارات السياسية والهواجس الاقتصادية، مما قد يُعيق التقدم في هذا المجال.

ذو صلة

ما الذي ينتظرنا إذن؟

أمام البشرية الآن فرصة نادرة لإلقاء نظرة على مواد وكويكبات قادمة من نجوم أخرى، مما يعطينا فكرة غير مسبوقة عن ظروف الحياة وتكوين الكواكب في أنظمة شمسية أخرى بعيدة. لكن تحقيق هذا الأمر يعتمد بشكل كبير على توجّه الدول وأصحاب القرار، فإذا تحرّكنا بسرعة واتخذنا المبادرات الصحيحة، قد ننجح يومًا في الكشف عن المزيد من الأسرار التي تخفيها تلك النجوم البعيدة.

ذو صلة