لصين تسلح محطتها الفضائية بـ”كلاب حراسة”… خطوة غير مسبوقة لحماية محطتها المدارية

3 د
تجهز الصين محطة تيانغونغ بروبوتات جديدة أطلق عليها "كلاب حراسة فضائية".
تطور الصين نظاماً دفاعياً لتجنب الأسلحة التقليدية والحفاظ على أمان المحطة.
تُستخدم الروبوتات برفق لتحريك الأجسام المشبوهة بعيداً عن المحطة كما لو كانت "الجودو".
هناك حاجة لتنظيم دولي لتجنب التصعيد العسكري في الفضاء.
في خطوة مثيرة تجمع بين التكنولوجيا المتطورة واستراتيجيات الدفاع الوقائي، تُجهز الصين حالياً محطتها الفضائية "تيانغونغ" بنوع جديد من الروبوتات الفضائية، أطلقت عليها بشكل رمزي وحيوي "كلاب حراسة فضائية". إن الصورة التي ترتسم في أذهاننا لتلك الكائنات الروبوتية التي تحوم حول المحطة لحمايتها قد تبدو مشهداً سينمائياً، لكنها في الواقع خطة صينية براغماتية مدفوعةً بالتوترات الأمنية المتزايدة في الفضاء.
وهذا التوجه لم يأت من فراغ، بل جاء رداً على ما اعتبرته الصين تهديدات واقعية تعرّضت لها محطتها "تيانغونغ" قبل سنوات عدة بسبب اقتراب أقمار "ستارلينك" التابعة لشركة سبيس إكس الأمريكية بشكل خطير من محطتهم عشية عام 2021. ومنذ ذلك الحادث، بدأت الصين تتجه نحو تطوير منظومة دفاعية فعّالة، تتجنب استعمال الأسلحة التقليدية كالصواريخ أو أشعة الليزر، التي يمكن أن تسبب كارثة بتكوين آلاف القطع الحادة من الشظايا الخطيرة المتطايرة بسرعة خيالية في المدار، فيما يُعرف بـ "ظاهرة كيسلر" الفضائية التي قد تجعل الفضاء حول الأرض منطقة خطرة وغير قابلة للاستخدام لفترة طويلة.
وبينما يتخيل البعض أشكالاً مختلفة لهذه "الروبوتات"، فالواقع أن الفكرة الصينية أبسط وأكثر أناقة وفاعلية مما قد يتصور الكثيرون. فالروبوتات -التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات ومزودة بأجهزة استشعار ومنافث دفع صغيرة- تلتحم بالأجسام المريبة أو التي تقترب بصورة خطيرة من المحطة، ثم تقوم بتحريكها وإبعادها بهدوء خارج نطاق التهديد، تماماً مثل "الجودو" في الفنون القتالية: الاستفادة من حركة الخصم ودفعه برفق خارج نطاق الخطر بدلاً من مواجهته مباشراً بالقوة الصارمة.
وهذا النهج، الذي يبدو دفاعياً بحتاً، يحمل في طياته أيضاً بُعداً استراتيجياً واضحاً، خاصة في ظل تصاعد المنافسة العسكرية بين القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا في مجال الهيمنة الفضائية. ففي الوقت الذي تتسابق فيه تلك القوى على تطوير أحدث الوسائل والتقنيات الفضائية، تشهد الساحة صراعاً فعلياً غير معلن على السيطرة والخدمات المدارية، وهذا ما دفع الصين إلى تصميم خطوات دفاعية استباقية – وليست هجومية – بهدف حماية بنيتها الأساسية في الفضاء بشكل فعال ومستدام.
لكن هذه الاستعدادات الصينية التي تبدو مُسالمة في طبيعتها، قد تُثير مخاوف ومراجعات على المسرح الدولي، خاصة وأن الخط الفاصل بين العمليات الدفاعية والهجومية في الفضاء بدأ يصبح ضبابياً. فعلينا ألا ننسى أن التقنية ذاتها التي تستخدمها الصين اليوم لنقل الأجسام الخطرة بعيداً عن محطتها، يمكن أن تُستخدم مستقبلاً في مهمات من نوع آخر، كإعاقة أقمار صناعية أخرى أو السيطرة عليها، وهو ما تؤكده التجارب الصينية الحديثة المتكررة لعمليات المناورة القريبة في المدار، والتي تسميها الولايات المتحدة بطرافة "الإشتباكات الفضائية".
من هذا المنطلق، أصبحت الحاجة إلى وضع قواعد واضحة دولية لتنظيم وتحديد الأنشطة الفضائية مطلباً ملحاً أكثر من أي وقت مضى. ومن شأن هذا التنظيم أن يقلل من احتمالات سوء التفاهم أو التصعيد العسكري في هذه المنطقة الجديدة من الصراع العسكري المستقبلي.
ومع ذلك، تُعتبر فكرة "الكلاب الفضائية الحارسة" ابتكاراً ذكياً وجديراً بالتقدير، فبدلاً من إحداث فوضى مدارية، تأتي هذه الخطوة كاستجابة محسوبة بدقة لتفادي الكوارث التي قد تنتج عن العنف التقليدي في الفضاء.
وربما يكون من الأفضل هنا، لو استبدلنا وصف "الكلاب الحارسة" بمصطلح أكثر دقة، مثل "روبوتات الدعم المدارية"، لإعطاء صورة أوضح للدور الذي تقوم به هذه التقنية الجديدة في تقديم حلول ذكية لحماية الفضائيين الصينيين ومحطتهم المدارية. كما أن تقديم تفسيرات أكبر للخبراء لتقنيات عمل هذه الأجهزة يمكن أن يسهم في تبديد التخوفات الدولية المحتملة حول طبيعة هذه الأنظمة الروبوتية.
ويبقى السؤال الأهم هنا هو: هل يستطيع المجتمع الدولي اليوم فتح حوار فعال وحقيقي حول تحديد وتعريف وتقنين الحدود بين الاستخدام الدفاعي والهجومي في الفضاء؟ لأن نجاح البشرية في الاستمرار بإستكشاف هذا الفضاء بطريقة آمنة ومستدامة يتطلب مسؤولية مشتركة ووضوحاً أكبر في قواعد اللعبة الفضائية الجديدة التي يبدو أن السباق فيها قد انطلق بالفعل.