ذكاء اصطناعي

ليس نجمًا ولا تابعًا… كوكب شارد ينمو بجنون في الفضاء السحيق

محمد كمال
محمد كمال

3 د

رصد العلماء كوكبًا يتيمًا ينمو بسرعة هائلة دون مدار نجم محدد.

الكوكب Cha 1107-7626 يبتلع 6,6 مليار طن غاز وغبار كل ثانية.

يؤدي التلسكوب جيمس ويب دورًا هامًا في كشف أسرار تركيب القرص المحيط به.

ظهور بخار الماء فجأة يغير من الفهم الحالي للبيئة الكيميائية المحيطة بالكوكب.

هذه الاكتشافات قد تعيد تشكيل معرفتنا عن تكوين الكواكب والنجوم.

في اكتشاف فلكي غير مسبوق، رصد العلماء كوكباً حراً طليقاً، لا يدور حول أي نجم، وهو ينمو بسرعة هائلة وكأنه نجم ناشئ في طور التكوّن. الكوكب المسمى Cha 1107-7626 يقع على بعد 620 سنة ضوئية من كوكبة الحرباء، ويكاد يغيّر مفاهيمنا حول نشأة العوالم الكونية.

المقصود بـ"الكوكب التائه" أو "اليتيم" هو جرم سماوي لا يتبع مدار نجم، بل يسبح منفرداً في الفضاء. وخلافاً لكواكب مجموعتنا الشمسية التي وُلدت قبل 4.5 مليار سنة، فإن Cha 1107-7626 لا يزال في بداية حياته الكونية إذ لا يتجاوز عمره مليونين من السنين. وهذا يعني أننا أمام مشهد حي لنمو كوكب في مراحله المبكرة، وهي فرصة نادرة للعلماء.

وهذا يربط بين حداثة سن الكوكب والسرعة الهائلة التي يُظهرها في النمو والتضخم.


أسرع معدل نمو كوكبي على الإطلاق

تشير البيانات الجديدة إلى أن Cha 1107-7626 يبتلع الغاز والغبار من قرص مادي يحيط به بمعدل قياسي بلغ 6.6 مليار طن في الثانية الواحدة، أي أسرع ثماني مرات مما سجل في مراقبات سابقة قبل أشهر قليلة فقط. هذه الظاهرة تُعرف بعملية "التراكم"، وهي نفسها التي يتضخم عبرها النجوم الفتية، ما يضع هذا الكوكب في منطقة رمادية بين الكواكب والنجوم.

الانتقال من التراكم البطيء إلى الانفجار السريع في وتيرة النمو بين الربيع والصيف الماضيين، حيّر علماء الفلك، خاصة أنهم لم يتوقعوا استمرار هذه الوتيرة لأشهر متتالية.

وهذا يوضح الرابط بين رصد التلسكوبات الأرضية والفضائية وبين فهم اضطرابات القرص المحيط بالكوكب.


التلسكوبات تكشف أسرار القرص المحيط

اعتمد فريق البحث على المرصد الأوروبي الضخم في صحراء أتاكاما بتشيلي، إلى جانب تلسكوب جيمس ويب الذي أتاح رؤية غير مسبوقة للتركيب الكيميائي للقرص. المفاجئ أن بخار الماء ظهر فجأة أثناء نوبة النمو العاصف، بينما لم يكن مرصوداً سابقاً، ما يعني أن البيئة الكيميائية نفسها تتغيّر لحظة بلحظة.

هذه الملاحظة تمثل إنجازاً لأن العلماء اعتادوا رصد تغير كيمياء الأقراص حول النجوم فقط، لا الكواكب. واللافت أن الحقول المغناطيسية، التي عادةً ما ترتبط بالنجوم الوليدة، يبدو أنها تلعب الدور الرئيس في سحب المادة نحو هذا الكوكب صغير الكتلة نسبياً.

وهذا يربط بين الخصائص النجمية المعروفة وبين السلوك غير المألوف لكوكب يتيـم.


أصل غامض وكشف مستقبلي

يبقى لغز الكواكب اليتيمة مصدر جدل بين العلماء: هل تشكّلت ككواكب طبيعية ثم طردت من مداراتها؟ أم أنها ولدت كنجوم صغيرة فشلت في الالتهاب النووي؟ في حالة Cha 1107-7626، يرى الفريق أنه تكوّن بانهيار سحابة جزيئية باردة، تماماً مثل نشوء النجوم، ما يجعله قطعة وسطى بين النجم والكوكب العملاق.

الخطوة التالية للعلماء هي تتبّع فترات النمو المتكررة، إذ تشير بيانات من عام 2016 إلى أن هذا الكوكب شهد انفجاراً مماثلاً في معدل تراكمه، ما يفتح الباب أمام فرضية "النوبات الدورية". ومع دخول تلسكوبات جديدة مثل المرصد الأوروبي العملاق (ELT) ومرصد فيرا روبين الخدمة، سيصبح بالإمكان رصد المزيد من هذه العوالم الشاردة بدقة أعلى.

ذو صلة

وهذا يربط مستقبل الاكتشافات الفلكية بما قد تكشفه التقنية القادمة عن طبيعة هذه الأجرام الغامضة.

ما يحدث مع Cha 1107-7626 يضعنا وجهاً لوجه أمام نسخة كونية لم نعتدها: كوكب يتصرّف مثل نجم، ينمو بسرعة خارقة ويعيد تعريف الحدود بين الفئات السماوية. هذه المشاهدات تعزز فهمنا لتنوع طرق ولادة الكواكب، وتؤكد أن الفضاء لا يزال مليئاً بالمفاجآت التي تجبرنا على مراجعة تصوراتنا القديمة عن نشأة العوالم.

ذو صلة