ما اعتُبر سابقًا جنونًا عن بلوتو… أثبته العلماء لأول مرة!

3 د
كشفت ملاحظات تلسكوب جيمس ويب عن غلاف جوي بلوتو الفريد والمعقد.
يظهر غلاف بلوتو الجوي ضباباً نشطاً بجزيئات النيتروجين والميثان وأول أكسيد الكربون.
تتوافق الملاحظات مع فرضية شي جانغ حول الضباب كعامل حراري رئيسي.
يعيد الجليد توزيع نفسه عبر سطح بلوتو بسبب التغيرات المناخية الحرارية.
قد يساعد فهم غلاف بلوتو في دراسة أغلفة جوية أخرى مثل تيتان وتريتون.
حين مرت مركبة "نيو هورايزونز" بالقرب من بلوتو وقمره شارون في عام 2015، التقطت لنا صورة لعالمين غامضين ومعقدين بشكل مذهل، ما أحدث نقلة نوعية في فهمنا لهذين العالمين البعيدين، خصوصاً بعد رصدها لغلاف جوي نشيط لبلوتو، وهو شيء غاية في الإثارة وطرح أسئلة بالجملة أمام علماء الفلك.
واليوم، يكشف تلسكوب جيمس ويب الفضائي، عبر سلسلة مراقبات دقيقة أجريت عامي 2022 و 2023، عن مفاجأة علمية كبرى تؤكد ما اقترحه عالم الفلك "شي جانغ" عام 2017 كفرضية غريبة في حينها. فقد أظهرت ملاحظات تلسكوب جيمس ويب بالفعل أن الغطاء الجوي لبلوتو يختلف اختلافاً جذرياً عن كل الأغلفة الجوية المعروفة حتى اللحظة ضمن حدود نظامنا الشمسي كله.
المتابعات الجديدة تكشف كيف يتكوّن غلاف بلوتو من ضباب كثيف يمتلئ بجزيئات معقدة من النيتروجين والميثان وأول أكسيد الكربون. الأمر الفريد هنا -والذي يُسجل لأول مرة علمياً- هو أن هذا الضباب لا يكتفي بالوجود الساكن، بل ينشط بحركة فريدة من نوعها تتمثل في صعود وهبوط متكرر نتيجة تغير درجات الحرارة باستمرار. هذا النمط المناخي لم نشاهده من قبل في أي كوكب أو قمر داخل نظامنا الشمسي، بحسب الفريق العلمي الذي أشرف على الدراسة.
ويتوافق هذا الاكتشاف بشكل لافت مع الفرضية الأساسية التي وضعها جانغ قبل ثماني سنوات، والذي وصف حينها فكرته بـ "الفكرة المجنونة" كونه اقترح أنه في حال صحة فرضيته، سندرك أن الضباب هو العامل الرئيسي المتحكم بالطاقة الحرارية في غلاف بلوتو الجوي، ويمكن كشف ذلك بسهولة من خلال التلسكوبات الحساسة للأشعة تحت الحمراء.
وهذا بالضبط ما أثبتته البيانات الجديدة التي حصل عليها العلماء باستخدام جهاز "ميري" على تلسكوب جيمس ويب الفضائي، حيث تمكّن الفريق من رصد إشعاعات واضحة في نطاق الأشعة تحت الحمراء المتوسطة، فوجدوها متوافقة تماماً مع فرضية جانغ. يعلق جانغ على هذه النتيجة بفرحة:
"نشعر بفخر كبير، فمن غير المعتاد في علوم الكواكب أن تُثبت فرضية بهذه السرعة ومن أول محاولة تقريباً".
وفي الحقيقة، هذه الطبيعة الغريبة لأجواء بلوتو لا تنتهي عند هذه النقطة، إذ أن دورة توزيع الجليد عبر سطح بلوتو ترتبط مباشرة بهذه العمليات في الغلاف الجوي. فعبر التغيرات الحرارية والمناخية، تتحرك ترسبات الجليد باستمرار لتعيد توزيع نفسها في مناطق مختلفة من السطح، بل وتنتقل حتى إلى القمر شارون. هذه العملية التي تشبه رحلة انتقال الجليد بين مكانين هي ظاهرة استثنائية لم تُسجل حتى الآن في أي مناطق أخرى بالكواكب أو الأقمار في نظامنا الشمسي.
والأغرب من كل هذا أن هذه الملاحظات قد تفتح أبواباً جديدة لفهم أغلفة جوية أخرى، مثل تلك الموجودة على تيتان وتريتون، والتي تمتلك أيضاً ضباباً مشابهاً من النيتروجين والكربون، ما يعني أن بلوتو قد أصبح المفتاح لفهم أوسع وأعمق لكثير من البيئات المعقدة في نظامنا.
هذا الاكتشاف بكل تفاصيله، يذكّرنا بأهمية مواصلة البحث واستكشاف أغلفة جوية غامضة كهذه. وربما يكون من المفيد مستقبلاً تسليط الضوء بشكل أكبر على كيفية تأثير هذه الظواهر المناخية على تطور الأغلفة الجوية عبر ملايين السنين، خاصة وأنها قد تساعدنا حتى في فهم الظروف التي جعلت من كوكب الأرض عالماً يمكن الحياة عليه في بدايات تكونه. فكما يقول شي جانغ مبتسماً: "كلما عرفنا أكثر عن بلوتو، اقتربنا أكثر من فهم كيف تشكلت الظروف المثالية للحياة هنا على كوكبنا قبل أزمان بعيدة."