مغناطيس عملاق يرفع حاملة طائرات كأنها ريشة: عصر الطاقة النووية النظيفة يبدأ من هنا!

4 د
تم الانتهاء من تركيب أقوى منظومة مغناطيسية في العالم ضمن مشروع ITER في فرنسا.
يزن الملف المركزي وحده 3,000 طن، ويساعد في احتواء البلازما في مفاعل الاندماج.
يسعى المشروع لإنتاج 500 ميغاواط من الطاقة مقابل 50 ميغاواط فقط من التسخين.
يشمل المشروع تعاوناً بين أكثر من 30 دولة، في إنجاز غير مسبوق في تاريخ الطاقة.
في إنجاز غير مسبوق في مسيرة البحث عن مصادر طاقة نظيفة ومستدامة، أعلن مشروع المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي (ITER) عن الانتهاء من بناء أقوى منظومة مغناطيسية فائقة التوصيل في العالم، قادرة نظريًا على رفع وزن يعادل حاملة طائرات إلى ارتفاع ستة أقدام في الهواء.
هذا الإعلان لا يمثل مجرد تقدم تقني، بل خطوة هائلة نحو تحقيق حلم طال انتظاره: تسخير طاقة الاندماج النووي على غرار ما يحدث في قلب الشمس لتلبية احتياجات البشرية من الطاقة النظيفة.
إنجاز عالمي ضخم في مجال طاقة الاندماج
بحسب تقرير لموقع Interesting Engineering، يُعد مشروع ITER المقام في جنوب فرنسا أكبر جهد دولي من نوعه لإثبات جدوى الاندماج النووي كمصدر طاقة عملي. يتعاون في المشروع أكثر من 30 دولة حول العالم، بهدف بناء مفاعل نووي يستخدم طاقة الاندماج لإنتاج الكهرباء دون انبعاثات كربونية.
وقد أعلن المشروع مؤخراً عن إنجاز بالغ الأهمية: الانتهاء من تركيب منظومة مغناطيسية نابضة فائقة التوصيل، هي الأكبر والأقوى على الإطلاق. هذه المنظومة تُعد جوهر مفاعل "توكاماك" الذي يُستخدم لتوليد تفاعلات اندماجية خاضعة للسيطرة.
قلب النظام المغناطيسي: "الملف المركزي"
في قلب هذا الإنجاز الهندسي يقع ما يُعرف بـ"الملف المركزي" أو Central Solenoid، وهو مغناطيس هائل تم تصنيعه واختباره في الولايات المتحدة قبل نقله إلى الموقع الفرنسي. يزن هذا العنصر وحده نحو 3,000 طن، أي ما يعادل وزن حاملة طائرات، ويُعد بمثابة النواة التي تبدأ تفاعل البلازما وتحافظ على احتوائها داخل المفاعل.
ووفقاً لمهندسي المشروع، فإن المنظومة الكاملة ستعمل بتناسق مع ستة مغناطيسات حلقية تُعرف بـ"مغانط الحقل القطبي"، وقد تم تصنيعها من قبل كل من روسيا، وأوروبا، والصين، في إطار تعاون دولي غير مسبوق في تاريخ الهندسة النووية.
كيف يُنتج هذا النظام الطاقة؟
يعتمد مبدأ الاندماج النووي على محاكاة العمليات التي تحدث في الشمس. داخل مفاعل "توكاماك"، تُحقن نظائر الهيدروجين (الديوتيريوم والتريتيوم) في حجرة مفرغة من الهواء، ثم يُمرر تيار كهربائي عبر هذه الغازات بواسطة المغناطيس المركزي، فيتحول الهيدروجين إلى بلازما فائقة السخونة.
عندها، تقوم المغانط الفائقة بتشكيل البلازما والتحكم بها، بحيث تبقى معلّقة دون أن تلمس جدران المفاعل، ثم يتم تسخينها إلى درجة حرارة تبلغ 150 مليون درجة مئوية، أي أكثر بعشر مرات من حرارة نواة الشمس. في هذه الظروف القصوى، تندمج أنوية الذرات، مطلقة كميات هائلة من الطاقة الحرارية.
كما ورد في بيان صادر عن ITER: "عند هذا المستوى من الحرارة، تندمج نوى البلازما معاً مطلقةً طاقة حرارية هائلة. ويُتوقع أن تتحول البلازما إلى ما يُعرف بـ‘البلازما المشتعلة’، حيث تستمر التفاعلات دون حاجة لمصدر تسخين خارجي."
إنتاج طاقة نظيفة بكفاءة غير مسبوقة
الهدف النهائي لمشروع ITER هو إثبات أن الاندماج يمكن أن يصبح بديلاً عملياً للطاقة التقليدية. وعند بدء التشغيل الكامل، يُتوقع أن ينتج المفاعل 500 ميغاواط من الطاقة من مدخلات حرارية لا تتجاوز 50 ميغاواط فقط، ما يعني تحقيق نسبة كفاءة تبلغ عشرة أضعاف، وهو إنجاز لم يُسجل في تاريخ الطاقة حتى الآن.
وهذا يعني أن المفاعل سيُنتج طاقة ذاتية تُبقي البلازما مشتعلة، دون الحاجة إلى تسخين مستمر، مما يُمهّد الطريق لإنشاء مفاعلات اندماجية تجارية في المستقبل القريب.
التعاون الدولي ركيزة أساسية للنجاح
لا يمكن لهذا المشروع أن يتحقق دون تعاون دولي واسع النطاق. أكثر من 30 دولة شاركت في تصميم وتجميع مكوّنات "توكاماك"، كلٌ وفق خبراته ومجالات تفوقه. الولايات المتحدة تولت بناء الملف المركزي، بينما ساهمت كل من روسيا، الصين، والاتحاد الأوروبي في إنتاج مغانط الحقل القطبي. أما اليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، فقد زودت المشروع بعناصر حساسة كغرفة التفريغ والدرع الحراري.
وقال المدير العام للمشروع، بيترو باراباشي: "ما يجعل مشروع ITER استثنائياً هو ليس تعقيده التقني فقط، بل الإطار الدولي الذي نجح في الاستمرار رغم التقلبات السياسية العالمية. إنه تجسيد للأمل والطريق نحو مستقبل طاقي مستدام وسِلمي."
ختامًا، مع اكتمال هذا المغناطيس العملاق، بات العالم على بُعد خطوة من تحقيق اختراق ثوري في مجال الطاقة. مشروع ITER لا يمثل مجرد إنجاز علمي، بل يشكل تجربة إنسانية عالمية تتجاوز الحدود والجغرافيا، لتؤكد أن التحديات الكبرى لا تُحل إلا بتعاون الأمم وتكامل العقول. وإذا نجحت هذه التجربة، فإنها ستغير قواعد اللعبة في ما يتعلق بالطاقة، وستُعيد رسم مشهد المستقبل البيئي والاقتصادي العالمي.