ذكاء اصطناعي

ناسا تنجح في جلب عينة كويكب للأرض… والعلماء يستعدون للبحث فيها عن أسرار نشأة الحياة

ناسا تنجح في جلب عينة كويكب للأرض… والعلماء يستعدون للبحث فيها عن أسرار نشأة الحياة
دعاء رمزي
دعاء رمزي

4 د

وصلت عينات من الكويكب بينو إلى متحف فيلد في شيكاغو بعد رحلة فضائية.

تعتبر هذه العينات كنزاً علمياً لفهم أصل الحياة على الأرض.

ستستخدم الأبحاث الميكروسكوب الإلكتروني لدراسة التركيب المعدني والمواد العضوية.

الكويكب بينو لديه احتمال تصادم مع الأرض، مما يجعل الدراسة حيوية للأمن الكوكبي.

يحاول العلماء فهم التركيب الكيميائي للكويكب لتحليل تأثيره المحتمل على الأرض.

تخيل لحظة أن قطعة صغيرة من صخرة بحجم حصاة لا تزيد عن حجم حبة تمر تخرجها من حذائك، لكنها في الحقيقة أقدم من ترتيب الأرض نفسه، تعود إلى بدايات تكون المجموعة الشمسية قبل حوالي 4.6 مليار سنة، هبطت مؤخراً في متحف فيلد في شيكاغو. هذه القطعة من الكويكب "بينو"، التي أتت بها مركبة ناسا الفضائية "أوزيريس ريكس"، باتت الآن كنزاً علمياً سيوفر فرصاً غير مسبوقة لفهم أصل الحياة على كوكبنا.

هذه الفرصة النادرة والعظيمة بحسب فيليب هيك، المسؤول عن قسم دراسات النيازك والدراسات القطبية بالمتحف،


"شرف حقيقي وتجربة العمر"،

نظراً لأن هذه العينات استُخرجت من الكويكب بينو في عام 2020 ووصلت الأرض عام 2023. الجدير بالذكر أن هذه العينات التي وصلت مباشرة من الفضاء، لم تمسّها يد إنسان أو بكتيريا، ولم تتأثر بالغلاف الجوي كما يحدث عادة مع النيازك التي تسقط على الأرض، ما يجعلها نقية تماماً.

وهذا يوضح أهمية هذا الكنز العلمي النادر الذي قد يفتح لنا آفاقاً جديدة في البحث، خاصة أنها العينة الأولى التي تستقدمها وكالة ناسا من كويكب قريب من الأرض. وفي الواقع، استخدمت اليابان أيضاً تقنيات مشابهة وحصلت سابقاً على عينات من كويكبات أخرى عبر مهام فضائية مماثلة، لكن تبقى هذه أول مهمة أمريكية من هذا النوع، وأول عينة نقية تصل بهذا الشكل إلى الولايات المتحدة.

هذه الميزة الاستثنائية أوضحتها يوك زنغ، الباحثة المساعدة لهيك، التي درست سابقاً حوالي عشرين قطعة من نيازك مشابهة من ناحية التركيب والنوع. توضح أنها وزملاءها في المتحف - بالتعاون مع جامعة براون - سيستخدمون جهازاً متطوراً يُسمى الميكروسكوب الإلكتروني الماسح، الذي تبلغ قوته القدرة على تكبير الصورة أكثر من مليون مرة. هذا يسمح للعلماء بدراسة التركيب المعدني والمركبات العضوية الموجودة في القطعة بشكل تفصيلي غير مسبوق. كما شرحت بعبارات جذابة أن عملها يشبه إلى حد كبير "عمل محقق يتتبع الأدلة"، فمهمتها هي البحث عن أدلة تكوين الحياة وتطور العناصر العضوية عبر مليارات السنين.

يتجاوز هذا الربط الجميل بين الفضاء والحياة اليومية المعادن والتركيب الجيولوجي؛ إذ يسعى فريق البحث في جامعة براون أيضاً لدراسة ما يسمى بالمواد "المتطايرة"، أو الروائح المتطايرة التي قد تنتقل عبر الفضاء. هذه المواد، كما يقول هيك، تشبه ما نشمه عندما تسقط نيازك كربونية على الأرض، وقد تُذكر برائحة الفانيليا أو مذيبات الدهانات. مع أن دراسة هذه الروائح قد تبدو غريبة، إلا أنها في الحقيقة مركبات أساسية تربطنا ارتباطاً مباشراً بالأصول الكيميائية للحياة على الأرض، وهو ما يصفه هيك بقوله إنها "مكونات حساء الحياة الأولى"، وتدرس بهذه الطريقة لأول مرة.

لكن السؤال الأبرز بالنسبة للقارئ العادي، والذي يدركه جيداً هؤلاء العلماء، هو: ما الهدف من كل هذا الجهد والبحث في قطعة صغيرة من الصخور الفضائية؟ هنا يقدم العلماء إجابة مدهشة وعملية بنفس الوقت: في الواقع، كويكب بينو لديه فرصة نسبتها 1 من 2600 للاصطدام بالأرض عام 2182. وبالتالي، فإن فهم تركيبة هذا الكويكب وأجزائه بشكل جيد ليست مجرد مسألة معرفية وعلمية فقط، بل قد تساعد المجتمع العلمي مستقبلاً في الاستعداد لمخاطر محتملة تهدد البشرية، من خلال معرفة ما إذا كان الكويكب قادراً على التفتت في الغلاف الجوي أو ما إذا كان سيشكل خطراً حقيقياً.

ذو صلة

في النهاية، إن قصة هذه الصخرة الصغيرة التي قطعَت ملايين الكيلومترات للوصول إلينا لا تمنحنا فقط لمحة دقيقة عن تاريخ وأصل منظومتنا الشمسية، بل تقدم لنا أيضاً شعوراً أعمق بالارتباط الوثيق بين البشر والكون، وأننا بالفعل جزء لا يتجزأ من هذه الطبيعة الفضائية الشاسعة التي ندرسها. وكما أكد هيك بأسلوبه الشاعري، "إنه أمر يشبه زيارة الغابة في طفولتك حين كنت ترفع حجراً لترى ما تحته من عجائب".

يبقى أن نذكر أن العينة المتوفرة حالياً في متحف فيلد مستعارة من ناسا بشكل مؤقت حتى أغسطس القادم. ومن المهم هذا الأسلوب الحريص في التعامل مع العينات، حيث سيحتفظ العلماء بنسبة كبيرة منها حتى تتوفر أدوات بحث علمية مستقبلية ربما لم نتخيلها بعد، ما يؤكد على أن العلم دائماً رحلة مستمرة بلا توقف نحو اكتشاف جديد لطبيعتنا ومكاننا في هذا الكون المثير.

ذو صلة