أجهزتك الإلكترونية القديمة أغلى مما تظن… لا ترمِها بعد اليوم

3 د
كشفت دراسة حديثة أن الأجهزة الإلكترونية تحتوي على كميات كبيرة من الذهب الخالص.
يستخدم فريق سويسري إسفنجة بروتينية لاستخراج الذهب بكفاءة من النفايات الإلكترونية.
يساهم الابتكار السويسري في إنتاج ذهب نقي ويقلل من النفايات الزراعية.
تعزز التقنيات الجديدة الاقتصاد الدائري من خلال إعادة استخدام الموارد بشكل مستدام.
قد تصبح النفايات الإلكترونية مناجم للثروات، محققة فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة.
تخيّل معي هذا المشهد: تقرر التخلص من هاتف قديم أو حاسوب مسبّب للمشاكل، وترميه في سلة المهملات دون أن يخطر ببالك أنك قد ألقيت لتوّك شيئًا ثمينًا للغاية! فما السر وراء هذه القصة؟
في الحقيقة، كشفت دراسة علمية حديثة أعدّها فريق من ETH Zurich السويسرية عن أن الأجهزة الإلكترونية القديمة التي نرميها يوميًا تحتوي على كنز حقيقي من الذهب الخالص بدرجة نقاء 22 قيراطًا، تقدر كميته بحوالي 450 ملليغرامًا لكل 20 لوحة إلكترونية!
كنوز مخفيّة في القمامة الإلكترونية
كل عام، ينتج العالم أكثر من 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية، ومعظم هذه الأجهزة القديمة تنتهي في مكبات النفايات دون أي استفادة فعلية منها. لكن المفاجأة التي يجهلها كثيرون هي أن هذه الأجهزة، وخاصة اللوحات الإلكترونية داخلها، تحتوي على كميات كبيرة من الذهب والمعادن الثمينة كالنيكل والنحاس والبلاديوم.
فمن المذهل أن نعرف أن طنًا واحدًا من القمامة الإلكترونية يحتوي في المتوسط على ما بين 300 إلى 400 جرام من الذهب، وهو ما يتجاوز أحيانًا الكميات التي يتم استخراجها من مناجم التعدين التقليدية.
محاولات تقليدية لكن ضارة بيئيًا
في الماضي، اعتمدت عمليات استخراج الذهب من النفايات الإلكترونية على مواد سامة وخطرة مثل الزئبق والسيانيد، ما سبب أضرارًا بيئية كبيرة وتكاليف باهظة، بالإضافة إلى تأثيراتها الصحية الخطيرة والمحذورة في العديد من البلدان حول العالم.
لهذا السبب، بات البحث عن طرق أكثر ابتكارًا وأقل ضررًا بالبيئة ضرورة حتمية يحاول العلماء جاهدين تحقيقها.
ابتكار سويسري يقلب الموازين
وهنا تأتي الخطوة الثورية التي صممها فريق علمي من جامعة "ETH Zurich" في سويسرا. تعتمد هذه التقنية الجديدة على استخدام إسفنج خاص مصنوع من ألياف البروتين المستخلصة من مصل اللبن (وهو منتج ثانوي ينتج عند صناعة الجبن).
يتم غمس هذا الإسفنج الحيوي في محلول يحتوي على أجزاء من القطع الإلكترونية المذابة، ومن ثم يقوم الإسفنج بالتقاط جزيئات الذهب واختزانها. وبعد خطوة بسيطة من التسخين، تتحول المواد المحتجزة داخله إلى رقائق ذهب صلبة بنقاء 22 قيراطًا!
المثير في الأمر، أن هذه الطريقة تعتبر فعّالة للغاية، إذ تكفي 20 لوحة إلكترونية لاستخلاص حوالي 450 ملليغرامًا من الذهب الخالص، أي ما يقارب نصف غرام تقريبًا. هذا يعني أننا أمام مصدر حقيقي للثروة يظهر في شيء طالما اعتبرناه عديم القيمة.
من نفايات زراعية إلى مناجم إلكترونية مستدامة
الجميل في هذا الابتكار هو استغلاله لمنتجات كانت تعتبر نفايات زراعية، إذ أن البروتين المستخدم مستخرج من مخلفات صناعة الجبن، وبالتالي فإن التقنية الجديدة تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي تنظف البيئة من جانب، وتنتج ذهبًا نقيًّا من جانب آخر.
ليس هذا فقط، فالتقنية تُبشّر أيضًا بفتح أبواب جديدة لاستعادة معادن أخرى ثمينة، مثل النحاس والنيكل والبلاديوم، باستخدام طرق مكمّلة مثل المعالجة الحرارية والكيميائية الخاضعة للرقابة والآمنة بيئيًا أيضًا.
نحو اقتصاد دائري يحمي الكوكب
اليوم، حوالي 80% من النفايات الإلكترونية في العالم لا تتم معالجتها أو الاستفادة منها بشكل صحيح، بحسب تقارير عالمية صدرت عن وكالة فرانس لايف. هذه الخسارة ليست مجرد مسألة اقتصادية فقط، بل تمثّل أيضًا بعدًا بيئيًا مهمًا يجب علينا التعامل معه بشكل أكثر جدية ومسؤولية.
التقنية الجديدة التي ابتكرها العلماء السويسريون قد تمثّل حلاً حقيقيًا لهذه المشكلة، عبر تعزيز المفهوم الحديث المعروف باسم "الاقتصاد الدائري"، وهو نظام اقتصادي يهدف إلى إعادة استخدام الموارد بشكل فعال ومستدام، دون الحاجة للتنقيب المفرط عن الموارد الأولية الجديدة وتدمير البيئة.
في المستقبل القريب، قد يتغير تصورنا لطريقة التعامل مع النفايات الإلكترونية بصورة كبيرة. فالأجهزة القديمة التي كانت تبدو لنا شبه عديمة الفائدة، قد تتحوّل يومًا ما إلى مناجم صغيرة لإنتاج الثروات، مما يُعيد الفائدة الاقتصادية والبيئية لنا جميعًا.
ربما حان الوقت لتفتح درجك القديم وتبدأ في النظر إلى محتوياته من الأجهزة التالفة بعينٍ مختلفة! فالذهب قد يكون بالفعل أقرب مما تتخيل، وبطرق أيسر وأبسط مما عرفناه من قبل.