البابا ليو الرابع عشر يرفع صوته ضد الذكاء الاصطناعي: «تهديد لكرامة الإنسان والعدالة والعمل»

3 د
حذّر البابا ليو الرابع عشر من آثار الذكاء الاصطناعي على الإنسانية.
قارن تأثير الذكاء الاصطناعي بالثورة الصناعية وأثرها على العمال.
دعا قادة الكنيسة لحماية حقوق الإنسان في ظل التكنولوجيا المتقدمة.
ذكر خطورة أنظمة التسليح المدارة بالذكاء الاصطناعي وتقليل المسؤولية الأخلاقية.
أكد على أهمية تنظيم التكنولوجيا المتطورة لمنع الأزمات المحتملة.
في خطوة لافتة للنظر وتنذر بمرحلة جديدة من الجدل حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، حذّر البابا ليو الرابع عشر، وخلال أول لقاء له مع الكرادلة منذ انتخابه، من آثار هذه التكنولوجيا على الإنسانية. البابا اعتبر الذكاء الاصطناعي واحداً من أهم التحديات في عصرنا، واصفاً إياه بأنه قد يؤثر بشكل خطير على كرامة الإنسان، العدالة وظروف العمل.
في حديثه الذي ألقاه أمام الكرادلة يوم السبت، قارن البابا ملامح عصرنا الحالي وتأثير الذكاء الاصطناعي بالثورة الصناعية التي شهدها العالم أواخر القرن التاسع عشر. وهنا، استذكر البابا فكرته من تجربة سلفه، البابا ليو الثالث عشر، الذي كتب في عام 1891 رسالة شهيرة عنوانها "ريروم نوفاروم" أو "الأشياء الجديدة"، انتقد فيها التداعيات الإنسانية للثورة الصناعية الأولى، خصوصاً على العمال وأسرهم الذين عانوا من ظروف قاسية.
ويأتي استحضار هذه النقطة التاريخية الهامة من البابا الجديد ليبيّن التشابه الكبيرة والملحوظ بين تكنولوجيا الماضي والتحديات التي نعايشها اليوم مع التكنولوجيا الحديثة. فالذكاء الاصطناعي، وفقاً للبابا ليو، سيؤثر بشكل متزايد في سوق العمل ومفاهيم العدالة الاجتماعية. ولهذا السبب، دعا قادة الكنيسة إلى تقديم أسس واضحة وعصرية تعمل على حماية الحقوق وتعزيز الكرامة الإنسانية في عالم يزداد اعتماده على التقنيات الذكية والمتطورة.
وتربط هذه الخطوة بين اهتمام البابا ليو الحالي وتأثير خطاب البابا فرانسيس، الذي رحل عن عالمنا مؤخراً وكان قد تحدث مراراً في السنوات الأخيرة من حياته عن خطورة الذكاء الاصطناعي. وكان فرانسيس قد طالب بعقد اتفاق عالمي ملزم للحد من مخاطر هذه التقنية، خصوصاً تلك المتعلقة بالتسليح، حيث أعرب عن قلقه من أن أنظمة الأسلحة المتطورة التي تُدار بواسطة الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى تقليل المسافة النفسية بين الإنسان ومآسي الحروب والدمار، وبالتالي التقليل من الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية.
ولا يعد الحديث عن مخاطر الذكاء الاصطناعي غريباً أو نادراً في دوائر السياسة والإعلام مؤخراً؛ فعلى سبيل المثال، أثارت صورة ملفقة أنتجها الذكاء الاصطناعي مؤخراً للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرتدياً زي البابا الكثير من الجدل، والذي دفع ببعض السياسيين الأوروبيين إلى انتقادها بشدة، معتبرين إياها إهانة للعقيدة الدينية واستخفافاً بمكانة المؤسسات.
هذه الأمثلة وغيرها تُظهر مدى سرعة وانتشار التزييف العميق (Deepfake) في العالم الرقمي، ما يدفع البابا ليو ومختلف المعنيين إلى مناقشة تنظيم هذه التقنيات. كما يبدو واضحاً أنه من الضروري تبنّي آلياتٍ فعالة للتعامل مع هذه الإشكاليات الأخلاقية قبل وقوع أزمات محتملة قد تؤثر في حياتنا اليومية، مثل الانتخابات الديمقراطية أو الحياة الاجتماعية والثقافية.
إن دعوة البابا الجديدة هذه يمكن فهمها كمحاولة قوية لاستمرار النقاش والعمل الدولي المشترك نحو تنظيم واضح ومسؤول لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بما يحافظ على كرامة الإنسان ويحمي العدالة الاجتماعية. ولكي يصبح خطاب البابا أكثر تأثيراً على أرض الواقع، فلربّما يكون من الأفضل زيادة التركيز على الجوانب العملية والإنسانية للقضية، واستخدام عبارات قوية تضفي مزيداً من التأثير على الخطاب الأخلاقي للكنيسة، مما سيساعد على رفع الوعي وتحريك النقاشات بشكل أوسع وأكثر جدوى.