ذكاء اصطناعي

“الثقوب السوداء: مولدات طاقة كونية أم حدود للخيال العلمي؟”

"الثقوب السوداء: مولدات طاقة كونية أم حدود للخيال العلمي؟"
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

يبحث العلماء في إمكانية استخدام الطاقة من الثقوب السوداء الدوارة كمصدر مستدام.

اقترح الفكرة الفيزيائي روجر بينروز عام 1969 وأعاد إحيائها الباحث خورخي بينوشيه حديثاً.

تستفيد natura من الطاقة في "الكوازارات" وهي ثقوب سوداء تنتج بلازما حرارية كثيفة.

يتطلب استثمار هذه الطاقة تقدم البشرية إلى مستوى حضارة أعلى وفق مقياس كارداشيف.

تشجع هذه الدراسة الفضول العلمي للأجيال لاكتشاف أسرار الكون وتوسيع المعرفة البشرية.

تبدو فكرة الحصول على الطاقة من الثقوب السوداء كنقطة انطلاق لعالم خيال علمي بعيد للغاية، أليس كذلك؟ ولكن دعونا نتوقف للحظة ونسأل أنفسنا: هل يمكن للبشر أن يستخدموا هذه "المولدات الكونية" الضخمة في أي وقت في المستقبل؟


بداية الفكرة: بينروز ونظرية الطاقة من الثقوب السوداء

في عام 1969، قدم الفيزيائي الشهير روجر بينروز - الحاصل على جائزة نوبل - ورقة علمية اقترح فيها فكرة مذهلة للغاية، وهي إمكانية قيام حضارة متقدمة باستخلاص الطاقة من ثقب أسود دوار. حديثاً عاد الباحث خورخي بينوشيه، من الجامعة التعليمية للعلوم بالعاصمة التشيلية، ليلقي نظرة جديدة على هذه الفكرة، ويقول في مقابلة حديثة بأن هذا السيناريو، من الناحية النظرية، ممكن بالفعل، وقد يوفر لنا يوماً ما مصدراً نظيفاً ومستداماً للطاقة.


لكن ما يعنيه هذا الكلام بالتحديد؟

ببساطة شديدة، الثقب الأسود الدوار لا يختلف عن أي جسم يدور، إذ يمتلك طاقة حركة هائلة بسبب سرعته الدورانية. إلا أن ما يميز الثقوب السوداء الدوارة بشكل خاص هو قدرتها الاستثنائية على الدوران بسرعة قريبة للغاية من سرعة الضوء. في الحقيقة، لا يوجد جسم آخر في الكون يمكنه الاقتراب من مثل هذه السرعات الجنونية دون أن يتحطم بشدة نتيجة للقوة الطاردة الهائلة.

وهنا تأتي ظاهرة مثيرة للاهتمام تعرف "بتأثير سحب الإطار" (Frame-dragging)، أو ما يُعرف بتأثير "لينس-ثيررينج"، والتي تقوم فيها الجاذبية الهائلة للثقب الأسود بتدوير نسيج الزمكان حوله. تخيل أنك تحرك ملعقة بشكل دائري في كوب من العسل؛ العسل نفسه يتحرك مع الملعقة بسبب احتكاكه بها. هذا بالضبط ما يحدث لنسيج الزمكان، الذي لا يمكن لمادة أو جسم فيه أن يبقى ساكناً، بل يُسحب للدوران مع الثقب الأسود الدوار.


النجوم الزائفة والمصدر الطبيعي لهذه الطاقة الهائلة

لقد سبق للطبيعة أن نجحت في استخراج الطاقة من الثقوب السوداء، وأكبر مثال على ذلك ما يُطلق عليه "الكوازارات" أو النجوم الزائفة، وهي ثقوب سوداء عملاقة توجد في مراكز المجرات، محاطة بقرص دوار من الغبار والغاز يسمّى "القرص التراكمي". هذا الدوران يولّد حرارة مهولة تحوّل المادة إلى بلازما عالية الحرارة تطلق كميات ضخمة من الطاقة. مواد هذا القرص التي تتجه نحو مركز الثقب الأسود تتعرض إلى حقول مغناطيسية قوية جداً تدفع جزءاً منها نحو قطبي الثقب الأسود، حيث يتم قذفها إلى الفضاء بسرعة تقترب من سرعة الضوء على شكل انفجارات فائقة الطاقة تُعرف بـ "النفثات النسبية".

وبينما تفعل النجوم الزائفة ذلك بشكل طبيعي، فإن بينروز اقترح آلية بسيطة لفهم كيف يمكن لحضارة متقدمة أن تستثمر مثل هذه الطاقة. تخيل لعبة "دوامة الأطفال" التي إذا رميت كرة صغيرة في الاتجاه المُعاكس لدورانها، ستنعكس الكرة بسرعة أعلى مما كانت عليه عندما تم رميها. في هذه الحالة، كرة التنس ستسحب بعض طاقة الدوران من لعبة الدوامة، مما يؤدي إلى تباطؤ الدوامة قليلاً في الدوران. هذه، ببساطة، هي الفكرة التي اقترحها بينروز لاستخراج الطاقة بشكل نظري من دوران الثقب الأسود.


طاقة ثقوب الكون وأين نحن من استخدامها؟

قد يكون الحديث عن استخدام الثقوب السوداء للحصول على الطاقة بعيداً للغاية عن إمكاناتنا العملية الحالية. بينوشيه يقول إن حضارتنا البشرية الحالية، وفقاً لمقياس كارداشيف (الذي يصنف الحضارات حسب قدرتها على التحكم بالطاقة واستخدامها)، هي من النوع صفر فاصل سبعة تقريباً. أي أننا لا نزال نكافح من أجل السيطرة على الموارد المتاحة على كوكبنا فقط. أما للاستفادة من ثقوب سوداء صغيرة (مثل تلك التي تسمّى "الميكروكوازار")، نحتاج أن نصل إلى المستوى الثاني من الحضارات (السيطرة على المجموعات والكواكب المجاورة)، وللاستفادة من كوازارات كبيرة نحتاج إلى أن نصبح حضارة من المستوى الثالث (حضارة قادرة على استثمار طاقة من مجرات بأكملها).


عقبات تقنية مستحيلة حالياً

حتى لو تخطينا كل تلك العقبات النظرية، فستبقى لنا عقبة حقيقية لا يمكن تجاهلها بسهولة: من أين سنأتي بثقب أسود قريب منا؟ وفقاً للمعلومات المتاحة حالياً، أقرب ثقب أسود يبعد عنا حوالي 1500 سنة ضوئية، والرحلة بين النجوم بهذا البعد في الوقت الراهن خارج حدود التكنولوجيا البشرية العملية.


الهدف الأهم: إثارة الفضول لدى الأجيال الجديدة

إذاً، لماذا كل هذه الأبحاث والأحاديث عن أشياء تبدو مستحيلة الآن؟ بالنسبة لعالم الفيزياء خورخي بينوشيه فإن الجواب بسيط ولكن قوي: الفضول والرغبة في التعلم. هو يقول إن طرح مثل هذه السيناريوهات باللغة العلمية السهلة يثير شغف الطلاب ويحرك فيهم الرغبة في اكتشاف أسرار الكون. وهذا، برأيه، يساعدهم على أن يكونوا علماء أفضل في المستقبل.

ذو صلة

إلى جانب ذلك، يؤكد بينوشيه أن هذه المباحث تضفي نوعاً من التواضع والحكمة في نظرتنا للكون، لأنها تذكّرنا - بشكل مستمر - بصغر حضارتنا وبقينا الطويل الذي ينتظرنا من أجل اللحاق بركاب التقدم الكوني الهائل.

إذن، ورغم استحالة تطبيق هذه الفكرة الآن، فإن مجرد التفكير في استخراج طاقة من الثقوب السوداء يمنحنا فرصة واسعة وممتعة للتعلم والتوسع في معرفة هذا الكون الغامض والمدهش.

ذو صلة