الرسوم الجمركية الأمريكية على العرب: مبدأ المعاملة بالمثل أم سياسة عقابية؟

4 د
فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 10% على منتجات قادمة من دول الخليج ومصر والمغرب، كرد على تعريفات مماثلة تفرضها هذه الدول على البضائع الأميركية.
في المقابل، فرضت واشنطن رسوماً أعلى (بين 31% و41%) على دول مثل سوريا والعراق وليبيا، رداً على تعريفات جمركية مرتفعة تصل إلى 81% تفرضها هذه الدول.
تعتمد السياسة التجارية الأميركية على مبدأ "الرسوم المتبادلة" الذي يرد على الإجراءات الحمائية بسياسات مماثلة.
تعكس الرسوم الجمركية أيضاً اعتبارات سياسية، حيث يُكافَأ الاستقرار السياسي والاقتصادي بتسهيلات تجارية، ويُعاقَب الانغلاق أو التوترات برسوم أعلى.
وسط عالم اقتصادي متغير وتحولات سياسية كبرى، تتصدر قضية الرسوم الجمركية الأميركية تجاه الدول العربية واجهة النقاش الاقتصادي. فرغم ما قد يبدو من تفاوت كبير في هذه الرسوم، فإن الوقوف عند خلفياتها ومبرراتها، يكشف عن سياسة تجارية أميركية ذات منطق "متبادل"، تسعى – من وجهة نظر واشنطن – إلى حماية مصالحها من خلال معادلة الرسوم المفروضة عليها بمثيلاتها المفروضة من الطرف الآخر.
هذا المقال يسلط الضوء على تفاصيل الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على مجموعة من الدول العربية، ويحاول تفسير دوافعها، ومدى عدالتها من منظور السياسة التجارية الدولية.
تباين الرسوم: الخليج والمغرب ومصر في المقدمة بتعريفات منخفضة
بحسب بيانات منشورة مؤخرًا، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية مخفضة بنسبة 10% فقط على منتجات قادمة من دول الخليج العربي، إلى جانب كل من مصر والمغرب. ويُعزى هذا التوجه إلى أن هذه الدول بدورها تفرض تعريفات جمركية منخفضة مماثلة – أي بنسبة 10% – على البضائع الأميركية.
هذا التوازن يعكس، وفق الخبراء، علاقة تجارية أكثر تعاونًا بين واشنطن وهذه الدول، ويُظهر أن السياسة الأميركية تراعي معيار "المعاملة بالمثل" في علاقاتها التجارية، لا سيما عندما يكون الشريك ملتزمًا بانفتاح الأسواق وعدم عرقلة المنتجات الأميركية.
الدول ذات الرسوم المرتفعة: العراق وسوريا وليبيا في مرمى العقوبات الاقتصادية
في المقابل، تواجه دول عربية أخرى مثل سوريا والعراق وليبيا رسوماً جمركية أميركية مرتفعة، تتراوح بين 31% و41%. السبب الرئيسي وراء هذا التوجه – بحسب التقرير – هو أن هذه الدول تفرض أصلاً تعريفات جمركية عالية جدًا على البضائع الأميركية، تصل إلى 81% في حالة سوريا، و78% في العراق، و61% في ليبيا.
وبذلك، فإن واشنطن ترى في هذه الإجراءات ما يشبه سياسة حمائية عدائية تحد من وصول منتجاتها إلى الأسواق المحلية، وتُشكل عائقًا أمام التجارة الحرة. وبالتالي، فإن فرض رسوم مقابلة يُعد، من منظور الإدارة الأميركية، خطوة عادلة لتصحيح الخلل في التوازن التجاري.
منطق "الرسوم المتبادلة" في السياسة التجارية الأميركية
منذ سنوات، تبنت الولايات المتحدة مبدأ "الرسوم المتبادلة" كجزء من استراتيجيتها التجارية، والذي ينص على أن أي دولة تفرض تعريفات جمركية مرتفعة على المنتجات الأميركية، سيتم معاملتها بالمثل.
ويبدو أن هذه السياسة لا تقتصر على خصوم واشنطن السياسيين أو الاقتصاديين فقط، بل تشمل أيضاً شركاءها الإقليميين، حيث تُظهر البيانات أن دولًا مثل تونس (55%) والجزائر (59%)، التي تفرض رسومًا مرتفعة على البضائع الأميركية، واجهت بدورها تعريفات مرتفعة من قبل الولايات المتحدة (بنسبة 28% و30% على التوالي).
بعبارة أخرى، ترى واشنطن أن هذه الرسوم ليست عقابية بقدر ما هي تصحيحية، تهدف إلى إعادة التوازن لعلاقات تجارية مختلّة.
استقرار سياسي = تسهيلات تجارية
المفارقة اللافتة أن الدول التي حظيت بتعريفات أميركية منخفضة، هي غالباً تلك التي تتمتع بقدر من الاستقرار السياسي والاقتصادي، مثل دول الخليج والمغرب وموريتانيا. ويبدو أن واشنطن تنظر بعين التقدير إلى هذا الاستقرار، وتترجمه إلى مرونة في التبادل التجاري، ما يدفعها إلى الامتناع عن فرض تعريفات مرتفعة على هذه الدول.
في المقابل، فإن الدول التي تشهد نزاعات أو أوضاعًا سياسية غير مستقرة – كسوريا والعراق وليبيا – تجد نفسها في مرمى السياسة التجارية الأميركية، التي تتخذ طابعاً أكثر صرامة.
السياق الجيوسياسي والاقتصادي للرسوم الجمركية
لا يمكن فصل هذه الإجراءات الجمركية عن السياق السياسي الأوسع. فالولايات المتحدة لا تتحرك فقط من منطلقات اقتصادية محضة، بل تأخذ بعين الاعتبار التوازنات الجيوسياسية، وأثر السياسات الاقتصادية المحلية في الدول العربية على النفوذ الأميركي في المنطقة.
وعلى سبيل المثال، فإن ارتفاع الرسوم على المنتجات الأميركية في بعض الدول قد يكون ناتجًا عن محاولات هذه الدول حماية أسواقها المحلية، أو عن موقف سياسي تجاه واشنطن. بالتالي، فإن الرد الأميركي عبر الرسوم المتبادلة قد يحمل أيضاً رسالة سياسية ضمنية، تعكس مواقفها من السياسات المحلية لهذه الدول.
في ضوء المعطيات، يمكن القول إن السياسة الأميركية في فرض الرسوم الجمركية على الدول العربية، رغم ما يحيط بها من جدل، تنطلق من منطق اقتصادي متماسك. فحين تُفرض الرسوم كرد فعل على رسوم مماثلة، يُصبح من الصعب وصفها بغير "العدالة التجارية"، لا سيما حين تلتزم واشنطن بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل دون استثناء.
لكن يبقى السؤال مفتوحاً: هل هذا النموذج القائم على تبادل الإجراءات الجمركية قادر على تعزيز التجارة الحرة، أم أنه مجرد حل مؤقت لمعضلات أعمق في النظام التجاري العالمي؟ الجواب قد يتوقف على مدى استعداد الدول لإعادة النظر في سياساتها الحمائية، والدخول في شراكات تجارية قائمة على الانفتاح والتكافؤ.