الصين تكشف عن كمبيوتر كمي أسرع بكوادريليون مرة من أجهزة الكمبيوتر العملاقة الحالية

3 د
كشفت جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين عن "Zuchongzhi-3"، حاسوب كمي يفوق أقوى الحواسيب الفائقة بمقدار كوادريليون مرّة تقريباً.
الاختبار المستخدم لمقارنة أنظمة الحوسبة هو "أخذ العينات من الدوائر العشوائية"، وقد أظهرت هذه الطريقة تفوّقاً كبيراً لصالح الحوسبة الكمية.
يشير باحثون إلى أنّ المهام التي قد تحتاج مليارات السنوات من أقوى الحواسيب التقليدية، تُنجز خلال ثوانٍ أو دقائق في الحواسيب الكمية الجديدة.
يُتوقع أن تُسهم هذه الطفرة في إحداث قفزات نوعية في مختلف المجالات المتطورة، بدءاً من الذكاء الاصطناعي ووصولاً إلى صناعة الأدوية وتطوير خوارزميات التشفير.
تتناقل الأوساط التقنية والعلمية أنباء مثيرة حول إنجازٍ صيني جديد في مجال الحوسبة الكمية، إذ أعلنت جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين (USTC) عن تطوير حاسوب كمي يُعرف باسم "Zuchongzhi-3"، وُصف بأنّه أسرع من أقوى الحواسيب الفائقة التقليدية بفارق مذهل وصل إلى كوادريليون مرّة (10 للأس 15)، وفقاً لدراسة منشورة في Physical Review Letters ومعلومات أوردتها صحيفة The Independent.
بحسب الباحثين في تلك الجامعة، تخطّت قدرات "Zuchongzhi-3" أحدث ما توصّلت إليه شركة غوغل الأميركية في العام المنصرم، بفارق يصل إلى مليون مرّة في بعض الاختبارات المتقدّمة. وقد اعتمد العلماء في هذه المقارنة ما يُعرف بـ"أخذ العينات من الدوائر العشوائية" (Random Circuit Sampling)، الذي بات معياراً جوهرياً لتقييم مدى تفوّق الحوسبة الكمية على النظم الكلاسيكية.
تعود جذور هذا التطوّر إلى الانطلاقة الكبيرة التي حققتها غوغل عام 2019، حين أتمّ معالجها الكمي "Sycamore" مهاماً تتطلب من أقوى الحواسيب الفائقة آنذاك قرابة عشرة آلاف عام، وذلك في 200 ثانية فقط. غير أن الإنجاز الصيني الجديد رفع سقف التحدّي بصورة غير مسبوقة، إذ يرى الخبراء أنّه يعزّز ما يُعرَف بـ"التفوّق الكمي" (Quantum Supremacy) ويؤكد قرب دخول الحواسيب الكمية مرحلة الإنتاج الفعلي لحل مشكلات العالم الأكثر تعقيداً.
المفاجئ في الأمر أنّ حسابات فريق جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين قدّرت استحالة إنجاز مهمة "أخذ العينات من الدوائر العشوائية" بالأساليب التقليدية، مشيرة إلى أنّ أقوى الحواسيب الفائقة حالياً، ومنها الحاسوب الأميركي "Frontier"، سيحتاج بلا مبالغة إلى 5.9 مليار عام لإتمام العملية نفسها. ويبدو أنّ هذه الهوّة الهائلة في القدرات تعود إلى تحسينات جذرية أدخلها الفريق الصيني على تصميم الشريحة الكمية وطريقة الأسلاك الداخلية ونظام التبريد الذي يحافظ على الذرات في حالة بالغة الدقة.
يرى مراقبون في قطاع التقنية أنّ أهمية هذا التطوّر تتجاوز حدود الاختبارات الأكاديمية، إذ تُفتح أبواب جديدة أمام تطبيقات قد تُحدث تحولاً جذرياً في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي وتطوير الأدوية والتشفير والحوسبة السحابية. ويُتوقع أن تمهّد هذه الطفرة لحلول عملية ثورية، بدءاً من تحليل البيانات الضخمة ووصولاً إلى وضع سيناريوهات تستكشف تفاعلات المركّبات الكيميائية المعقّدة، وهو ما كان يُعدّ ضرباً من الخيال قبل بضع سنوات.
من الملفت للنظر أنّ السباق في هذا المضمار لم يعد مقتصراً على جهة واحدة، إذ تكثّف المختبرات والشركات الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا من جهودها لتطوير رقائق كمية أكثر استقراراً وفاعلية. وتساهم المنافسة الحادة في تسريع وتيرة الابتكار، بحيث تتوالى الإعلانات عن إنجازات جديدة في غضون فترات زمنية قصيرة، ما يخلق جواً من الحماسة لدى المهتمين بتطوّر معالجات المستقبل.
كما يلفت متخصصون الانتباه إلى أنّ هذا الحاسوب الكمي يمثّل خطوة إضافية نحو بناء منظومات تشغيل كمية متكاملة وقادرة على تحمّل مهام معقّدة في بيئات حقيقية، لا تقتصر على المختبرات. ويشير بعض الخبراء إلى أنّ المرحلة المقبلة قد تشهد تعاوناً دولياً أشمل في مجال الحوسبة الكمية، سواء على مستوى الأبحاث أو الاستثمارات، وذلك بهدف وضع معايير مشتركة وبُنى تحتية متوافقة.
ختاماً، يُنتظر أن تظهر تطبيقات هذا الحاسوب الصيني في مجالات طموحة تسعى إلى تسريع عملية اكتشاف الجزيئات الدوائية، وتحسين الذكاء الاصطناعي، ودعم الأنظمة الأمنية المشفّرة في عالم يشهد تزايداً مطّرداً في حجم البيانات وحساسية المعلومات. ولا شكّ في أنّ نجاح "Zuchongzhi-3" يمثّل إنذاراً مبكراً لاقتراب عصر الحوسبة الكمية الشامل، بحيث يصبح التعامل مع تعقيدات البيانات أمراً ممكناً، تاركاً الحواسيب التقليدية في صفوف متأخرة.