“جبال غامبورتسيف المفقودة: اكتشاف سلاسل جبلية مذهلة تحت جليد أنتاركتيكا يعيد تشكيل تاريخ الأرض”

3 د
تم اكتشاف سلاسل جبلية تحت جليد أنتاركتيكا تغير فهمنا الجيولوجي.
تشكلت هذه الجبال قبل 650 مليون سنة خلال الحقبة الجندوانية.
ظلت الجبال محفوظة بفضل طبقات الجليد الكثيفة التي منعت التآكل.
استخدم العلماء بلورات الزركون لتحديد عمر الجبال بدقة.
تسلط الدراسة الضوء على ظاهرة "الانتشار الجاذبي" في الحفاظ على الجبال.
لطالما كانت أنتاركتيكا أرضًا من الألغاز والغموض، مخبأة تحت طبقات الجليد التي تغطي قارتها الشاسعة آلاف الأسرار التي تكشف عن قصة كوكبنا منذ ملايين السنين. واليوم، بات العلماء أكثر قربًا من فك لغز واحد من هذه الأسرار المدهشة؛ الاكتشاف الحديث لسلسلة جبال هائلة مختفية تحت الجليد، تدعى جبال غامبورتسيف، والتي غيرت فهمنا للتاريخ والتطور الجيولوجي للأرض جذريًا.
هذا الاكتشاف المذهل، الذي تناولته دراسة نُشرت حديثًا في مجلة "Earth and Planetary Science Letters"، يسلط الضوء على جبال غامبورتسيف الغامضة، التي ظلت سرًا مخبوءًا تحت طبقات الجليد شرق أنتاركتيكا منذ حوالي نصف مليار عام. الجبال، بحجمها وشكلها المماثل لسلسلة جبال الألب الشهيرة بأوروبا، اكتُشفت لأول مرة على يد بعثة سوفيتية عام 1958 عبر تقنيات المسح الزلزالي، إلا أن وجودها ظل لغزًا مثيرًا للتعجب والاستغراب لسنوات طويلة.
وعندما نذكر عادة تشكيل السلاسل الجبلية، تتبادر إلى أذهاننا سلاسل مثل جبال الهملايا الناشئة عن تصادم مستمر ومتواصل للصفائح التكتونية، مما يؤدي إلى ارتفاعها الشاهق. لكن جبال غامبورتسيف تختلف كليًا؛ فقد تشكلت منذ مئات ملايين السنين خلال التكوين المبكر للقارة القديمة "غوندوانا"، الأرض العملاقة التي كانت تضم أراضي اليوم من إفريقيا وأمريكا الجنوبية وأستراليا وأنتاركتيكا.
هذه المرحلة الزمنية شهدت تصادمًا عنيفًا بين أجزاء ضخمة من اليابسة، ومن ثم بدأت حرارة الصخور الملتهبة تتدفق تحت سطح الأرض، مشكّلةً طبقة كثيفة من القشرة الأرضية التي انهارت جزئيًا مع الوقت، تاركةً وراءها هذه السلسلة المبهرة من الجبال.
لكن، كيف بقيت هذه الجبال الضخمة محتفظة بشكلها وهيبتها رغم مرور ملايين السنين؟
هنا يأتي دور ظاهرة علمية تسمى "الانتشار الجاذبي"، والتي تصف حركة الصخور اللينة الساخنة تحت الطبقات العلوية من القشرة الأرضية بشكل يشبه معجون الأسنان حين يُضغط من الأنبوب. هذه الحركة أدت إلى تكوين "جذور" عميقة من القشرة الأرضية تمتد إلى داخل الوشاح الصخري للأرض، مما أعطى هذه السلاسل الجبلية ثباتًا استثنائيًا، وحافظ عليها على مر العصور.
ولعل الدهشة الأكبر تتمثل في كيفية تمكن العلماء من تحديد عمر تشكيل هذه الجبال بدقة بالغة. المفتاح كان في بلورات صغيرة من معدن الزركون، اكتشفها العلماء داخل صخور رملية عتيقة موجودة بمنطقة جبال الأمير تشارلز البعيدة عن غامبورتسيف مئات الكيلومترات. هذه البلورات الصغيرة كانت بمثابة "كبسولة زمنية" استطاع الباحثون عبر تحليلها أن يحددوا ظهور الجبال للمرة الأولى قبل حوالي 650 مليون سنة، حيث ارتفعت إلى مستويات شاهقة مشابهة للهملايا قبل نحو 580 مليون سنة، لتختفي لاحقًا تحت الجليد والركام بفعل العمليات الجيولوجية منذ حوالي 500 مليون سنة.
وربما تتساءل الآن: إذا كانت معظم السلاسل الجبلية تختفي تدريجيًا بفعل عوامل التعرية المستمرة، كيف استطاعت جبال غامبورتسيف البقاء محفوظة؟ الإجابة تتمثل ببساطة طبقة الجليد الكثيفة التي كانت بمثابة درعٍ واقٍ حافظ على هذه الجبال طوال هذه المدة الطويلة، ومنع عوامل التآكل من الوصول إليها وإزالة معالمها ببطء.
وبينما يستمر العلماء في دراسة هذه السلاسل الجبلية الفريدة، يتوقعون أن تكشف الدراسات المستقبلية مزيدًا من الأسرار عن التاريخ القديم لكوكبنا، وتركيبته الجيولوجية الفريدة من نوعها. ولمزيد من التعمق والتوضيح، قد يكون استخدام مصطلحات أكثر وضوحًا بدلاً من "الانتشار الجاذبي" مفيدًا للغاية، كعبارة "حركة الصخور البطيئة العميقة". كما أن إبراز أهمية هذه الاكتشافات للقرّاء عبر الربط بشؤون حياتهم بشكل مبسط، قد يزيد من جاذبية الموضوع لمختلف شرائح الجمهور القارئ.