جمجمة منسية في رمال منغوليا… أقدم ديناصور مقبب الرأس يكشف أسرار تطوره

3 د
اكتشاف أقدم حفريّة لديناصور ذي جمجمة قُبّبية في صحراء غوبي.
العينة المكتشفة تعود لديناصور صغير باسم زافاسيفالي رينبوتشي.
الاكتشاف يكشف عن سمات تشريحية تساعد في فهم نمط حياة الديناصورات.
لا تزال وظائف الجمجمة القُبّية السميكة موضوعًا للجدل بين العلماء.
يمثل الاكتشاف نقطة تحول في دراسة تطور الديناصورات القُبّية المغامرة.
في قلب صحراء غوبي القاسية شرق منغوليا، تمكّن فريق من علماء الحفريات من العثور على أقدم وأكمل هيكل عظمي معروف حتى الآن لفصيلة الديناصورات ذات الجماجم القُبّبية، والمعروفة علمياً باسم Pachycephalosaur. هذا الاكتشاف، الذي نُشرت نتائجه في مجلة نيتشر المتخصصة، يكشف الكثير عن أصل وتطور هذه الكائنات الغامضة التي لطالما حيّرت العلماء وأثارت مخيلة الجمهور على حد سواء.
وهذا يوضح أن الاكتشاف الجديد لا يقتصر على إضافة عظم آخر إلى أرشيف المتحف، بل يفتح نافذة لفهم حقبة مبكرة جداً من تاريخ هذه الفئة من الديناصورات.
العينة المكتشفة تعود لديناصور صغير أُطلق عليه اسم زافاسيفالي رينبوتشي. ويُقدّر عمر الحفرية بما بين 108 إلى 115 مليون سنة، أي أقدم بنحو 15 مليون سنة من أي حفريات سابقة معروفة لهذه المجموعة. يبلغ طول الفرد المكتشف نحو متر واحد فقط، ويُعتقد أنه كان لا يتجاوز السنتين من العمر عندما نفق، إلا أن جمجمته كانت قد بدأت تُظهر القبة السميكة المميزة لهذا النوع.
وهنا يظهر الرابط بين صغر حجم هذا الديناصور وعمق أهميته؛ فحتى وهو كائن صغير غير بالغ، فإنه احتفظ بالسمات الجوهرية لفصيلته، ما يعزز الفرضية بأن الشكل القُبّبي للجمجمة تطور مبكراً جداً وظل قائماً ملايين السنين.
ما يجعل هذا الاكتشاف استثنائياً هو اكتمال الهيكل العظمي بنسبة تفوق نصفه تقريباً، وهو أمر لم يسبق تحقيقه مع Pachycephalosaur. فقد عُثر على سيقان طويلة وذراعين قصيرين وأيدٍ صغيرة، إضافة إلى الأحجار الهضمية (Gastroliths) التي كان يبتلعها الحيوان لتساعده في طحن النباتات داخل معدته. هذه التفاصيل تمنح العلماء فرصة فريدة لتقصّي نمط حياة الديناصور، غذائه، وطريقة تنقله.
وهذا يمهّد الطريق لفهم أوسع لتكيّف هذه الزواحف العاشبة مع بيئة العصر الطباشيري في قارتَي آسيا وأميركا الشمالية.
لا يزال الغموض يحيط بالغاية الحقيقية من تطور تلك الجمجمة القُبّية السميكة. بعض الفرضيات ترجّح أنها استُخدمت في أشكال من النطح القتالي بين الذكور للتنافس على الإناث، بينما يرى آخرون أنها كانت وسيلة لعرض جاذبية التزاوج مثل قرون أو ألوان بعض الكائنات في عصرنا الحديث. وبغضّ النظر عن التفسير، فإن اكتمال هذه الحفرية يساعد الباحثين على تتبّع الكيفية التي تطورت بها القبة عبر المراحل العمرية المختلفة.
وهذا يربط مباشرة بين النقاشات القديمة حول السلوك الحيواني وبين الأدلة الملموسة التي يوفرها الهيكل العظمي الجديد.
بالنسبة للعلماء، يمثل زافاسيفالي حلقة مفقودة تضيء بدايات هذه السلالة. فمعظم الاكتشافات السابقة اقتصرت على جماجم منفصلة متناثرة، حتى أن بعض الخبراء يقولون إنه يمكن وضع جميع حفريات هذه الفصيلة حول العالم في حوض استحمام واحد. أما اليوم، وبفضل هذا الكشف، تتضح ملامح الصورة الكاملة لتاريخ هذه الكائنات بشكل أكبر.
وبهذا يُسهم الاكتشاف المنغولي في إعادة صياغة فهمنا لتطور الديناصورات ذات الجماجم القُبّية، مانحاً الأبحاث دفعة قوية نحو استكشاف أعمق لأسرار الماضي.
اكتشاف حفريّة زافاسيفالي في منغوليا لا يمثل مجرد إضافة لسجل المتحجرات، بل هو نقطة تحول في دراسة تطور الديناصورات الغامضة المعروفة بجماجمها القُبّية. إذ يكشف عن أن هذا الشكل المميز ظهر في مرحلة مبكرة من التاريخ التطوري، معززاً مكانة منغوليا كأرض خصبة لاكتشافات تغيّر ما نظنه عن الماضي السحيق.