ذكاء اصطناعي

حدث شمسي لا يُشبه سواه: انفجار هيليومي لم ترصده البشرية من قبل!

حدث شمسي لا يُشبه سواه: انفجار هيليومي لم ترصده البشرية من قبل!
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

تمكن علماء الفلك من رصد تدفق نادر لهيليوم خفيف من الشمس لأول مرة.

نتج الحدث عن "نفثة شمسية" صغيرة في منطقة تسمى "فجوة إكليلية".

وضع الاكتشاف النظريات الشمسية السائدة في موقف محرج، مع زيادة العناصر الخفيفة.

فتح الاكتشاف آفاقًا جديدة لدراسة آليات التسارع الشمسي وفهم الجسيمات.

في ظاهرة كونية هي الأغرب من نوعها، تمكن علماء الفلك من رصد تدفق نادر جدًا لهيليوم خفيف من الشمس، الأمر الذي ترك الخبراء في حالة من الدهشة، خاصة وأن مثل هذه الظاهرة لم يُرصد مثلها من قبل.


قصة الاكتشاف: كيف بدأ الأمر؟

القصة بدأت عندما لاحظ فريق بحثي من معهد ساوث ويست (Southwest Research Institute)، تدفقًا مفاجئًا وغير مسبوق من نظير الهيليوم النادر المعروف باسم "هيليوم-3" (³He). هذه الظاهرة، التي كشف عنها المسبار الشمسي "سولار أوربيتر" التابع لكل من وكالتي ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ESA، شكلت قفزة هائلة في الدراسات الشمسية، حيث أحدثت تغييرًا عميقًا في فهم الخبراء لكيفية انطلاق الجسيمات من الشمس لتسرع عبر الفضاء الواسع، وفق دراسة نُشرت في مجلة الفيزياء الفلكية.

حجم التدفق المدهش هذا كان أعلى بكثير مما قد تخيله العلماء سابقًا؛ حيث كشف المسبار عن ارتفاع قياسي بمعدل يزيد بـ 200 ألف مرة عن النسبة الطبيعية لنظير الهيليوم-3 مقارنة بـالهيليوم-4 الأكثر شيوعًا.


ولكن، ما هذا النظير النادر ولماذا الاهتمام به تحديدًا؟

لتبسيط الأمر قليلًا، فإن الهيليوم-3 هو نظير أخف من الهيليوم-4 الذي نعرفه، والفرق بينهما أن الهيليوم-3 يحتوي على نيوترون واحد أقل. هذا الاختلاف البسيط ظاهريًا يجعله نادر الوجود للغاية في نظامنا الشمسي. في العادة، يوجد هذا النظير بنسبة لا تتجاوز ذرة واحدة لكل 2500 ذرة من الهيليوم-4، لذلك فإن القفزة الأخيرة التي شوهدت أثارت الكثير من علامات الاستفهام والدهشة.


الحدث صغير، والتأثير بالغ الأهمية

ومن أكثر الأمور إثارة في هذه الظاهرة الغريبة هو أن سبب هذا التدفق الهائل ليس انفجارًا شمسيًا كبيرا أو عاصفة شمسية قوية كما توقع العلماء، على العكس تمامًا، اتضح أن مصدر هذا الحدث هو "نفثة شمسية" (Solar Jet) صغيرة جدًا تكاد لا تُرى، حدثت على حافة ما يُسمى بـ "فجوة إكليلية"، وهي منطقة من سطح الشمس تتميز بضعف المجال المغناطيسي النسبي، ما يجعلها منطقة هادئة وخاملة مقارنة بالمناطق الشمسية الأخرى الأكثر اضطرابًا.

الدكتور رادوسلاف بوسيك، قائد الفريق البحثي، أعرب عن دهشة العلماء حيال هذا الحدث:


"المفاجأة تكمن في كيفية قدرة نفثة شمسية صغيرة على تسريع الهيليوم-3 إلى السرعات والطاقة العالية بهذا المستوى، وهو أمر لا نعرف تفاصيله بشكل واضح حتى الآن. إن الظروف المغناطيسية الضعيفة جدًا في موقع النفثة قد يكون لها دور أساسي في صنع بيئة مثالية لتسريع هذا النوع من الهيليوم النادر".


تحدٍ جديد للنظريات القائمة

الملفت للنظر أن هذا الاكتشاف وضع العديد من النظريات السائدة حول العمليات الشمسية في موقف محرج. فعادة، ما تشتهر "جسيمات الطاقة الشمسية النشطة" (Solar Energetic Particles - SEPs) باحتوائها على عناصر ثقيلة مثل الحديد، وخاصة عند حدوث انفجارات شمسية كبيرة أو موجات الاضطرابات الشمسية القوية. أما هذه المرة، فلاحظ العلماء على العكس من ذلك، أن الانفجار تميز بزيادة ملحوظة للعناصر الخفيفة مثل الكربون والنيتروجين والسيليكون والكبريت، بينما بقي مستوى الحديد متواضعًا كالمعتاد؛ وهو أمر خالف التوقعات.

وأكد الفريق العلمي أن هذه الحالة هي بالفعل نادرة جدًا؛ فطوال 25 عامًا من عمليات الرصد الفضائي لم يُسجل العلماء سوى 19 حادثًا مشابها، وهو ما يجعل منه اكتشافًا قيمًا للغاية، يسمح لهم بفهم أفضل لطبيعة هذه العمليات الشمسية الخاصة وظروف تكوينها وآلية تسريع الجسيمات بها.

ذو صلة

ما هي تبعات هذا الكشف الجديد؟

هذا الاكتشاف المذهل فتح أمام العلماء نوافذ جديدة تمامًا نحو دراسة أفضل لآليات التسارع الشمسي، وحدد لهم مناطق وظروفًا قد تُعتبر بيئات ممتازة لتسريع جسيمات شمسية معينة دون غيرها. ومع استمرار مهمات الرصد الفضائية المتطورة، مثل التي تقوم بها مركبات رصد الشمس مثل "سولار أوربيتر" ومرصد ديناميكية الشمس التابع لناسا، فإن العلماء يتطلعون الآن بشغف إلى فهم أعمق لهذه الظاهرة واستكشاف مزيد من التفاصيل المخفية عن الشمس، ذلك النجم الغامض الذي لا يكف عن إبهارنا كل يوم.

ذو صلة