سوري “استثنائي” أُصيب بالعمى في الحرب..ويحقق إنجازاً أكاديمياً لافتاً في بريطانيا
![](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fcdn.arageek.com%2Fnews-magazine%2FRising-economics-20-1.png&w=3840&q=75)
3 د
أصيب ماهر بعمى كلي جراء انفجار قنبلة أثناء عبوره الحدود السورية اللبنانية في عام 2014.
استمر في تحصيله العلمي حتى حصل على شهادة الثانوية العامة عام 2018، ثم شهادة من جامعة كامبريدج عام 2022.
نال منحة دراسية لدراسة الماجستير في علم النفس التربوي في جامعة بريستول عام 2023، متحديًا صعوبات الإعاقة البصرية والغربة.
يعمل حاليًا في لندن بوظيفة دعم أكاديمي، ويتطلع إلى زيارة أسرته في دمشق فور تحسن الأوضاع السياسية.
في إحدى قاعات التخرج بجامعة بريستول، وأمام جمهور فاق الألف شخص، ترقّب الحاضرون لحظتهم المميزة؛ غير أن الأنظار سرعان ما تركزت على شاب يتقدم نحو المنصة وهو يمسك بعصاه البيضاء بثبات. كان ذلك ماهر فتوح، الشاب السوري الذي فقد بصره في خضم الحرب، لكنه أبى أن يخسر عزيمته.
قبل عشرة أعوام، عاش ماهر حياة طبيعية في دمشق، منشغلاً بهواية كرة القدم، ومستعداً لإنهاء خدمته الإلزامية في جيش النظام السوري. ومع تصاعد الأحداث الدامية، قرر في عام 2014 الفرار نحو لبنان هرباً من شبح التجنيد، لكنه تعرّض لانفجار قنبلة على الحدود، أدّى إلى إصابته إصابة بالغة نتج عنها فقدان كامل للبصر.
وفقًا لبيانٍ صحفي صادر عن جامعة بريستول بتاريخ 24 يناير 2025، قضى ماهر أسبوعًا في مستشفى للصليب الأحمر في لبنان، حيث أكّد الأطباء أن عينيه لن تعودا إلى وضعهما الطبيعي. كان حينها في الحادية والعشرين من العمر، من دون شهادات عليا أو مهارات لغوية خارج اللغة العربية، فوجد نفسه أمام واقع جديد يحتاج إلى إرادة مضاعفة للتغلّب عليه.
هكذا بدأت مرحلة مختلفة تمامًا في حياة ماهر، مليئة بالتحديات التي تفرضها الإعاقة البصرية والغربة في آن واحد. عمل على تسجيل الكتب صوتيًا والاستماع إليها مرارًا، أو الاستعانة بأشخاص يقرؤون له المقررات الدراسية. شيئًا فشيئًا، تقدّم في تعلُّم اللغة الإنجليزية، ثم بدأ بتقديم المساعدة لغيره من ذوي الإعاقة البصرية، في خطوة عكست رغبته في نقل تجربته إلى الآخرين. وبحلول عام 2018، حصل على شهادة الثانوية العامة في لبنان، مما مكنه من الحصول على منحة دراسية للالتحاق بإحدى الجامعات المرموقة هناك.
في عام 2022، أحرز إنجازًا نوعيًا بحصوله على شهادة لتدريس اللغة الإنجليزية صادرة عن جامعة كامبريدج، فاتحًا لنفسه آفاقًا أوسع في مجال الأكاديميا. بعدها بعام واحد، حصل على منحة جديدة لدراسة الماجستير في علم النفس التربوي في كلية التربية بجامعة بريستول – التي تشتهر ببرامجها عالية المستوى على صعيد المملكة المتحدة.
كانت تجربة الانتقال إلى بريطانيا بمفرده إنجازًا في حد ذاته لشخص كفيف. فقد تطلّب منه وضع خطط دقيقة لكل تحركاته اليومية، والاستعانة بتطبيقات متطورة للقراءة الصوتية وتموضع الخرائط. ورغم أن بعض الشوارع المرصوفة بالحصى أو المنحدرات المبللة شكّلت تحديات متكررة، يقول ماهر إن حفاوة المجتمع المحلي ودعم الجامعة وخدمات ذوي الإعاقة ساعدته على التكيف.
يشير البعض إلى أن ماهر أحب مدينة بريستول لما فيها من عبق تاريخي يذكّره بشوارع دمشق القديمة. وقد دعمته الجامعة بطرق متعددة، منها توفير الأدوات التقنية التي تمكّنه من الدراسة وتعزيز استقلاليته داخل الحرم الجامعي. وخلال مراسم التخرج، ألقى ماهر كلمة أشار فيها إلى أن فقدان البصر لم يكن نهاية الطريق، وأن الإرادة البشرية قادرة على خلق ضوء جديد مهما سادت العتمة. وتحدّث عن التحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة البصرية في المجتمعات العربية، داعيًا إلى تبني نظرة أكثر تفهّمًا ودعمًا لهم.
في ختام الحفل، أشادت البروفيسورة إيفلين ويلش، رئيسة الجامعة ونائبة المستشار، بماهر ووصفته بأنه "نموذج استثنائي للإصرار والشغف الأكاديمي". كما عبّر الحاضرون عن إعجابهم بقصته، وأُثِر عن بعضهم تأثرهم الشديد بما سمعوه من رحلة صعبة لم تُبقِ لماهر حاسة البصر، لكنها منحتْه قوة العزيمة.
اليوم، يعيش ماهر في لندن موظفًا في مجال الدعم الأكاديمي، محتفظًا بأمل العودة إلى سوريا بعد انقطاعٍ دام أكثر من عشر سنوات. وذكر أن عائلته ما تزال في دمشق، وأنه يتطلع إلى اليوم الذي يتحسن فيه الوضع السياسي في بلاده حتى يتمكن من رؤيتهم — رغم رمزية هذه الكلمة في حالته — واستئناف حياته بينهم.
تقدّم قصة ماهر فتوح نموذجًا ملهمًا يظهر كيف يستطيع الإنسان تحدي أقسى الظروف وتحويلها إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل. إنها قصّة حقيقية تؤكّد أن غياب إحدى الحواس لا يعني غياب الأمل أو انتهاء الفرص، بل قد يكون حافزًا للارتقاء والإبداع والإصرار على استكمال رحلة الحياة بنجاح.