ذكاء اصطناعي

مهنة هندسة الأوامر مهنة وُلدت واختفت في أقل من ثلاث سنوات: الذكاء الاصطناعي يأكل أبناءه مبكرًا

مهنة هندسة الأوامر مهنة وُلدت واختفت في أقل من ثلاث سنوات: الذكاء الاصطناعي يأكل أبناءه مبكرًا
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

لم تستمر مهنة هندسة الأوامر أكثر من ثلاث سنوات، وتحولت من وظيفة مستقلة إلى مجرد مهارة ضمنية.

أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على كتابة الأوامر المثلى، مما قلّل الحاجة لوجود "مهندسين" متخصصين.

يتجه الطلب الحالي نحو وظائف تتطلب خبرات تقنية متقدمة، خاصة في مجال تعلم الآلة.

قد لا تكون المهن السريعة الظهور في عصر الذكاء الاصطناعي سوى فقاعة مؤقتة ضمن تحولات أعمق في سوق العمل.

قبل عامين فقط، كانت "هندسة الأوامر" أو ما يُعرف بـ Prompt Engineering تُصنَّف كإحدى أكثر الوظائف سخونة في قطاع التكنولوجيا. كانت الشركات تسعى لتوظيف مختصين قادرين على صياغة الأسئلة المثالية التي تضمن أفضل استجابات من نماذج اللغة الكبيرة (LLMs). لكن اليوم، باتت هذه المهارة جزءًا عاديًا من مهام العمل اليومية، ولم تعد وظيفة قائمة بذاتها. والأسوأ؟ باتت النماذج نفسها قادرة على توليد الأوامر الأفضل!

يقول مالكولم فرانك، الرئيس التنفيذي لشركة TalentGenius:


"الذكاء الاصطناعي بدأ فعلاً في التهام نفسه. هندسة الأوامر تحولت من وظيفة إلى مجرد مهمة. الجميع أصبح يعرف كيف يستخدمها، وحتى الذكاء الاصطناعي بات يساعدك على كتابة الأوامر المطلوبة"


من مهارة جذابة إلى مهارة بديهية

في بدايات طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي، كانت هندسة الأوامر مغرية لسبب بسيط: لا تتطلب مهارات تقنية عالية. وقد فتحت الباب أمام غير المختصين لدخول مجال الذكاء الاصطناعي سريع النمو. ولكن لأن المهارة لم تكن تخصصية أو معقدة بما يكفي، فقد كانت قابلة للاستبدال بسهولة.

يشبّه فرانك الوضع بمهارات مثل "الخبير في إكسل" أو "محترف بوربوينت" — مفيدة بالطبع، لكنها ليست وظائف مستقلة في حد ذاتها. ويضيف:


"الذكاء الاصطناعي يتحرك مثل باك-مان، يلتهم المهام واحدة تلو الأخرى"


تلاشي وظائف الذكاء الاصطناعي السهلة

يرى تيم تالي، الشريك في شركة رأس المال الاستثماري Menlo Ventures والمستثمر في شركة Anthropic، أن تأثير الذكاء الاصطناعي الحقيقي لا يكمن في خلق وظائف جديدة، بل في تغيير طريقة العمل نفسها. ويقول:


"لن أقول إن الذكاء الاصطناعي يخلق وظائف جديدة، بل إنه يغير كيفية أداء الناس لأعمالهم، ويزيد من إنتاجيتهم"

تالي يشير إلى أدوات مثل Cursor التي غيرت حياة المبرمجين، موضحًا أن التحول الأعمق لا يتمثل في العناوين الوظيفية الجديدة، بل في تسريع سير العمل عبر كل القطاعات.


هل كانت وظيفة "مهندس الأوامر" موجودة فعلًا؟

الإجابة المختصرة: ربما لا. بحسب أليسون شريڤاستافا، وهي خبيرة اقتصادية في مختبر التوظيف التابع لمنصة "إنديد"، فإن معظم الوظائف التي تتضمن مهارات هندسة الأوامر تُدرج ضمن عناوين أخرى مثل مهندس تعلم آلي أو مهندس أتمتة. لم يكن هناك، في الواقع، ما يكفي من وظائف "مهندس أوامر" لتتبعها إحصائيًا.

وتضيف:


"من المرجح أن الهندسة التوجيهية كانت مجرد جزء من مهام وظيفية أوسع، لا أكثر"

أما ألين ليرنر، الرئيسة التنفيذية لمنصة Interviewing.io، فترى أن كل الضجيج الذي أُثير حول المهنة لم يكن يعكس الواقع. وتقول: "الناس انجذبوا لفكرة هندسة الأوامر لأنها بدت كمدخل سهل لغير التقنيين إلى عالم مربح ومثير. لكن حجم الحديث عنها على الإنترنت تجاوز بكثير عدد الأشخاص الذين عملوا بها فعليًا."


أين تذهب وظائف الذكاء الاصطناعي الآن؟

بينما تتراجع وظائف هندسة الأوامر، تشهد مهن تعلم الآلة والبرمجة المتقدمة ارتفاعًا ملحوظًا في الطلب. تقول ليرنر:


"طلبات المقابلات الوظيفية التجريبية لمهندسي تعلم الآلة ارتفعت خلال الشهرين الماضيين أكثر من ثلاثة أضعاف"

ذو صلة

وهي تشير بذلك إلى الفرق الجوهري بين من يصوغ الأسئلة للذكاء الاصطناعي، ومن يصمم النظام نفسه، وإذا كنت من غير المبرمجين، فقد تبدو الخيارات محدودة. فقد أصبحت وظائف المؤسسين ورواد الأعمال من الخيارات القليلة المتاحة، رغم أنها محفوفة بالمخاطر. أيضًا، ارتفعت نسبة وظائف الاستشارات الإدارية في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ بلغت 12.4% من مجمل وظائف هذا القطاع على منصة "إنديد" حتى فبراير الماضي.

لكن في جميع الأحوال، توضح شريڤاستافا أن سوق الذكاء الاصطناعي يتوسع تدريجيًا ليشمل قطاعات متنوعة، حيث "تحتاج الشركات إلى أشخاص يترجمون هذه التقنيات إلى تطبيقات عملية داخل المنظمة".

ذو صلة