ذكاء اصطناعي

هل تختبئ الحياة على سطح القمر؟ دراسة جديدة تُحيي فرضية وجود ميكروبات في الحفر القطبية المظلمة

فريق العمل
فريق العمل

3 د

اقترحت دراسة جديدةأن الحفر القمرية المظللة قد تحافظ على حياة ميكروبية بسبب البرودة الشديدة وغياب الإشعاع.

تمثل حفرتا "شاكليتون" و"فاوستيني" بيئة محتملة لحفظ الميكروبات التي قد تكون وصلت عبر المركبات الفضائية.

قد تُعرّض بعثات "أرتميس"هذه البيئات لتلوث ميكروبي بشري يصعب تعقبه أو تنظيفه لاحقاً.

يحذّر العلماء من أن أي تلوث قد يعيق تحليل الجليد والمواد العضوية التي تكشف أسرار نشأة الماء والحياة في النظام الشمسي.

في مفاجأة علمية قد تُعيد تشكيل فهمنا للقمر وتاريخه، كشفت دراسة حديثة عرضت خلال مؤتمر علوم الكواكب والقمر لعام 2025 (LPSC)، أن بعض الحفر القطبية في القمر – تلك الغارقة في الظلام والبرد منذ مليارات السنين – قد تمثل ملاذاً خفياً للميكروبات. وتشير النتائج إلى أن هذه البيئات القاسية قد تحفظ آثاراً لحياة دقيقة ربما وصلت من الأرض، أو حتى نشأت في فترات غابرة من تاريخ النظام الشمسي.


الحفر القطبية كملاجئ طبيعية للكائنات الدقيقة

ركز الباحثون في هذه الدراسة على منطقتين محددتين من الحفر المظللة دائماً (Permanently Shadowed Regions – PSRs)، وهما حفرتا "شاكليتون" و"فاوستيني"، الواقعتان بالقرب من القطب الجنوبي للقمر. هذه المناطق لم ترَ ضوء الشمس منذ مليارات السنين، وتتميز بدرجات حرارة منخفضة للغاية وظروف شبه معدومة للإشعاع فوق البنفسجي.

الدكتور "جون مورز" من جامعة يورك الكندية، وهو المؤلف الرئيسي للدراسة، صرّح بأن هذه الظروف الاستثنائية قد تُمثّل بيئة مثالية لحماية الميكروبات من أخطر التهديدات الفضائية: الحرارة المرتفعة والإشعاع. وقال:


"في الفضاء، غالباً ما تُقتل الميكروبات بفعل الحرارة العالية والإشعاع فوق البنفسجي، لكن هذه الحفر المظللة باردة ومظلمة للغاية، وبالتالي فإنها تُعدّ من أكثر البيئات حماية في النظام الشمسي للميكروبات التي توجد عادةً على المركبات الفضائية".

ورغم أن هذه الميكروبات قد تظل خاملة وغير قادرة على التكاثر أو النمو، إلا أن بنيتها العضوية والجرثومية (spores) قد تبقى محفوظة لعقود وربما قرون.


مخاطر التلوث البشري تهدد نقاء الاكتشافات

يأتي هذا الاكتشاف في وقت حساس، إذ تخطط وكالة ناسا ضمن برنامج "أرتميس" لاستكشاف هذه المناطق القطبية بحثاً عن جليد الماء الذي يُعدّ مورداً حيوياً للبعثات المستقبلية. لكن وجود ميكروبات أرضية - سواء من بعثات سابقة أو نتيجة التلوث الذي يحمله رواد الفضاء بأنفسهم - يثير مخاوف علمية جدية.

وأوضح الدكتور مورز أن تعقيم المركبات الروبوتية أسهل بكثير من تعقيم معدات وروّاد البعثات البشرية، قائلاً:


"عندما يخطو البشر داخل هذه المناطق، فإنهم سيحملون معهم تلوثاً ميكروبيًّا أكبر بكثير، وسيبقى هذا التلوث محفوظاً في هذه البيئات لفترات أطول من أي مكان آخر على سطح القمر".

ويحذر العلماء من أن هذا التلوث قد يُعقّد جهود البحث عن جزيئات عضوية أو ماء يعود مصدرها إلى المذنبات أو الكويكبات القديمة، والتي يُعتقد أنها لعبت دوراً مهماً في تشكيل تاريخ النظام الشمسي.


هل فات الأوان؟ احتمال وصول الميكروبات مسبقاً

رغم عدم وجود حياة أصلية على القمر – وهو ما يجعل موضوع حماية الكواكب غير مطبّق رسمياً هناك – إلا أن الباحثين يشددون على ضرورة حماية نزاهة البيئة العلمية لهذه المناطق.

وفي مفاجأة إضافية، أشارت الدراسة إلى أن احتمالية وصول ميكروبات أرضية إلى هذه الحفر موجودة بالفعل، ولو بنسبة ضئيلة. فخلال بعثات سابقة مثل مهمة LCROSS التابعة لناسا عام 2009، التي تعمدت اصطدام المركبة بفوهة "كابياس"، كان من الممكن أن تُنقل جراثيم أرضية عبر الحطام الناتج عن الاصطدام.

ويعلّق مورز على هذا الاحتمال قائلاً:


"احتمال وجود تلوث ميكروبي أرضي في هذه المناطق منخفض، لكنه ليس معدوماً. فبعض المركبات الفضائية اصطدمت بالقرب منها، وإن نجا أي ميكروب من الصدمة، فربما تم توزيعه في أرجاء تلك المناطق".


نحو إعادة تعريف العلاقة بين القمر والحياة

لطالما اعتُبر القمر جسماً عقيماً لا يحمل مقوّمات الحياة، لكن هذه النتائج قد تغيّر هذا المفهوم جذرياً، خاصة فيما يخص الحفر القطبية المظللة التي تتحول اليوم من "صحارى مجمدة" إلى "كبسولات زمنية" محتملة تحفظ آثار الحياة.

ذو صلة

سواء كانت الميكروبات التي يُحتمل وجودها قد وصلت من الأرض، أو من كويكبات ومذنبات، أو أنها بقايا غامضة من عصور سحيقة، فإن وجودها سيُحدث تحولاً جوهرياً في علم الكواكب.

في ظل التقدم المستمر في استكشاف القمر، يصبح الخط الفاصل بين "الاستكشاف" و"التلويث" أكثر ضبابية. وما نكتشفه – أو نتركه خلفنا – قد يمتد أثره إلى ما هو أبعد من القمر، ليعيد تشكيل قواعد البحث عن الحياة في أرجاء النظام الشمسي.

ذو صلة