ذكاء اصطناعي

اكتشاف مذهل: شعر بشري داخل براز متحجر يكشف عن افتراس الضباع للبشر في عصور ما قبل التاريخ

محمد كمال
محمد كمال

3 د

اكتشف باحثون شعرًا بشريًا متحجّرًا داخل فضلات ضباع قديمة في كهف بجنوب إفريقيا.

هذا الاكتشاف يوفر مواد عضوية تعود إلى ما بين 195 ألفًا و257 ألف عام.

الشعر يظهر تشابهًا مع خصائص الشعر البشري، موثقًا مواجهة قديمة بين الضباع والإنسان.

الظروف النادرة في الكهف حفظت الشعر ككبسولة زمنية فريدة من نوعها.

في واحدة من أغرب القصص العلمية التي تمزج بين الفكاهة والدهشة، أعلن فريق من الباحثين اكتشاف شعر بشري متحجّر داخل بقايا فضلات ضباع قديمة في كهف بجنوب إفريقيا، وهو ما يكشف صفحة جديدة في تاريخ علاقتنا بالحيوانات المفترسة في العصور السحيقة.

الخبر يحمل ما يشبه مفاجأة مزدوجة: أولاً لأنه يمدّنا بمواد عضوية نادرة للغاية تعود إلى ما بين 195 ألفاً و257 ألف عام، وثانياً لأنه يغيّر الصورة النمطية عن كيفية اندثار أو بقاء آثار البشر الأوائل. وهذا يفتح باباً على تساؤلات جديدة بشأن حياة الإنسان القديم وعلاقته بالطبيعة القاسية التي واجهها.


أسرار من قلب الكهف

الباحثة لوسيندا باكويل وفريقها كشفوا أن فضلات ضباع بنية في كهف "غلاديسفال" احتوت على 40 شعرة بشرية متحجرة. وبحسب الدراسة، ساعدت نسبة الكالسيوم العالية في روث الضباع إضافة إلى قطرات الكالسيوم المتساقطة من سقف الكهف في حفظ هذه الشعيرات بشكل استثنائي. هذه الظروف النادرة تحولت إلى ما يشبه كبسولة زمنية حفظت جزءاً دقيقاً من تاريخ البشر الأوائل.

هذا يضع الاكتشاف في مصاف السجلات النادرة، إذ إن أقدم شعر بشري معروف حتى الآن يعود إلى مجرد 9 آلاف سنة ضمن مومياء في تشيلي، بينما يتجاوز ما عُثر عليه في جنوب إفريقيا ذلك السقف الزمني بقرابة 200 ألف عام. ومن هنا يظهر الأساس العلمي الذي جعل هذا الاكتشاف يثير ضجة بين علماء الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا.


الضباع والإنسان: مواجهة قديمة

الأمر لا يتوقف عند حدود المعطيات المخبرية فحسب، بل يمتد ليكشف علاقة الافتراس والتغذية بين الضباع والإنسان القديم. فبحسب عالم الأنثروبولوجيا راندي سوسمان، فإن وجود الشعر داخل فضلات الضباع يعني أن هذه الحيوانات إما اصطادت البشر أو تغذت على جثثهم. وبذلك توثق هذه الشعيرات قصة من المواجهة القديمة حيث لم يكن الإنسان دائماً صائدَ القمة، بل أحياناً فريسة.

ومن اللافت أن التحليل المجهري للشعر أكد تشابهه مع خصائص الشعر البشري، رغم أنه من المستحيل اليوم تحديد لونه أو طبيعته المتموجة بسبب التغير الكيميائي الذي خضع له أثناء مرور الشعر بجهاز الضبع الهضمي. ومع ذلك، يظل هذا الدليل الأقدم من نوعه على وجود بشر أو أسلاف مباشرين للإنسان الحديث مثل هومو هايدلبرغنسيس، أو حتى بدايات الإنسان العاقل.


لغز علمي مفتوح

هذا الاكتشاف يترك الباب موارباً أمام العديد من الأسئلة: من كان هؤلاء البشر تحديداً؟ كيف عاشوا وتفاعلوا مع بيئتهم؟ وما الذي يمكن أن يخبرنا به هذا الشعر المتحجر إذا أعيد تحليله بتكنولوجيا مستقبلية؟ الباحث برنارد وود شبّه القصة بمسرح جريمة قديم حيث تركت الضباع “بصمتها البيولوجية” على أحداث مرت منذ مئات الآلاف من السنين.

ذو صلة

وبينما يسعى العلماء إلى تطوير أدوات دقيقة ربما تستخرج بروتينات أو حتى شظايا من الحمض النووي مستقبلاً، يبقى هذا الاكتشاف خطوة نادرة ومثيرة تربطنا مباشرةً بأسلافنا الذين عاشوا قبل أكثر من ربع مليون عام.

شعر بشري متحجر داخل فضلات ضباع ليس تفصيلاً عابراً في كتب التاريخ الطبيعي، بل نافذة فريدة على حياة البشر الأوائل وعلاقتهم المعقدة بالمفترسات. إنه تذكير بأن البقاء كان دوماً صراعاً وأن آثار هذا الصراع قد تبقى محفوظة في أماكن غير متوقعة، حتى في روث ضبع مدفون منذ مئات آلاف السنين.

ذو صلة