القمر يتزلزل… 41 انهيارًا أرضيًا يكشف أن جارنا الصامت ليس ساكنًا كما ظننا

3 د
اكتشفت الصين نشاطًا زلزاليًا على القمر يهدد خطط بناء قواعد قمرية.
رصد الأقمار الصناعية الصينية أكثر من أربعين انهيارًا أرضيًا منذ 2009.
النشاط الزلزالي مرتبط بالهزات القمرية وليس بالاصطدامات النيزكية.
تخطط الصين لوضع محطات مأهولة عند القطب الجنوبي بحلول 2035.
النتائج تقدم فرصًا لفهم أعمق لتاريخ القمر الجيولوجي وتخطيط الرحلات.
لم يعد القمر مجرد جرم هادئ يزين السماء، بل تحوّل مؤخرًا إلى محور نقاش علمي مكثف بعدما كشفت دراسات صينية حديثة عن وجود انهيارات أرضية وزلازل قمرية نشطة. هذه الاكتشافات هزّت الفرضية القديمة التي اعتبرت القمر جسمًا جيولوجيًا “ميتًا”، وفتحت الباب أمام تساؤلات جدية حول مستقبل استكشافه وإمكانية العيش على سطحه.
الصينيون، عبر صور أقمار صناعية عالية الدقة، رصدوا أكثر من أربعين انهيارًا أرضيًا منذ عام 2009، ما يدل على أن سطح القمر ليس ثابتًا كما اعتقدنا لعقود. واللافت أن هذه الانهيارات ليست ناجمة عن اصطدام النيازك كما كان يظن، بل بفعل نشاط داخلي مرتبط بما يُعرف بـ“الهزات القمرية”. وهذا يربط بين القراءات السطحية الحديثة وبين بيانات قديمة سجلتها أجهزة أبولو قبل نصف قرن.
القمر ليس ساكنًا كما نظن
من المعروف أن رواد أبولو رصدوا بعض الاهتزازات أثناء بعثاتهم، لكنها فسرت آنذاك كحوادث محدودة وانتهى الموضوع عند هذا الحد. لكن التحليلات الحديثة أثبتت أن لبّ القمر لا يزال نشطًا بما يكفي ليُحدث زلازل داخلية، وهو ما يغيّر جذريًا نظرتنا إليه. هذه الظاهرة تتركز في حوض “إمبريوم الشرقي” حيث المنحدرات الحادة وجدران الفوهات. وهنا يظهر الرابط بين التاريخ الاصطدامي العنيف للقمر وبين حيويته الجيولوجية الحالية.
هذا الدليل الجديد أعاد رسم خريطة فهمنا لسطح القمر، وطرح تقاطعًا مهمًا مع النقاش حول خطورة بناء مستعمرات هناك في المستقبل.
انعكاسات على مشاريع الاستيطان القمري
الخطط الصينية لبناء محطة مأهولة عند القطب الجنوبي للقمر بحلول 2035 تجعل هذه النتائج في غاية الحساسية. فإذا كان السطح معرضًا للانهيارات، فإن وضع قواعد ومعدات قرب المنحدرات سيكون بمثابة مغامرة خطيرة. لذلك يقترح الباحثون نشر أجهزة قياس زلازل جديدة على مناطق محددة للتأكد من النشاط الداخلي للقمر وربط ذلك بالتغيرات السطحية. وهذا يربط بين الطموح السياسي والعلمي للصين وبين الحاجة العملية لتأمين بيئة صالحة للسكن والمهمات المستقبلية.
ولعل المهمة الصينية المرتقبة “تشانغ-8” عام 2029، التي ستضع جهاز قياس زلازل عند القطب الجنوبي، ستكون نقطة تحول في فهمنا لما يحدث تحت قشرة القمر.
دلالات علمية بعيدة المدى
الانهيارات القمرية لا تعني الخطر فقط، وإنما تقدم مفتاحًا لفهم تطور القمر الحراري وكيفية انتقال الحرارة والطاقة داخله. العلماء يرون أن رسم خريطة دقيقة للمناطق النشطة زلزاليًا سيساعدنا على بناء نماذج أفضل لتاريخه الجيولوجي. وهذا بلا شك يربط بين الأبعاد العلمية البحتة وبين التطبيقات العملية المتعلقة بتخطيط الرحلات المأهولة.
في هذه الصورة الجديدة، يصبح القمر بمثابة مختبر طبيعي حي، يكشف لنا عن نشاط داخلي مستمر ربما يشبه الأرض أكثر مما اعتقدنا سابقًا.
ختامًا، ما بين الزلازل القمرية والانهيارات النشطة، يتبين أن القمر ليس بهذا السكون الذي كنا نتصوره. هذه الحقائق الجديدة لا تحمل فقط مخاوف لوكالات الفضاء، بل أيضًا فرصًا عظيمة لفهم جواره الكوني بشكل أعمق. ومع تزايد الطموحات نحو بناء قواعد مأهولة فوقه، فإن النجاح سيعتمد على مدى قدرتنا على التكيف مع واقعه الديناميكي وتجنب مخاطره المحتملة.
باختصار، القمر لم يمت جيولوجيًا بعد، بل ما زال ينبض بالحركة… والسؤال: هل نحن مستعدون لمشاركة هذا العالم “الحي”؟