ذكاء اصطناعي

برغم التطور التقني وثورة الذكاء الإصطناعي، تدني معدلات نمو الانتاجية في العمل مقارنة بفترة التسعينات!

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

ارتفع دور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، لكنه لم يرفع إنتاجية العمل كما كان متوقعًا.

ظاهرة "مفارقة الجودة والكمية" تعوق الابتكار الحقيقي رغم توفر الذكاء الاصطناعي.

النماذج اللغوية تقدم ما هو متوقع فقط، دون إبداع حقيقي أو تجديد.

يكون "تأثير الارتداد الرقمي" عند استخدام الجميع نفس التقنية، مما يلغي فوائد الفعالية.

الإبداع والجرأة في المؤسسات هما مفتاح الابتكار الحقيقي، وليس الذكاء الاصطناعي وحده.

مع الصعود الكبير للذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، أصبح الكثيرون يراهنون على أنه يمثل المفتاح السحري لرفع الإنتاجية وإحداث ثورة في طريقة عملنا ومعيشتنا. فجأة، أصبحت تطبيقات "تشات جي بي تي" و"جيميني" والمساعد الرقمي "كوبايلوت" جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لكثير من الموظفين، من البريد الإلكتروني والاجتماعات وحتى البحث العلمي والبرمجة. في عام 2025، يمكن القول إننا اعتدنا وجود الذكاء الاصطناعي حولنا، ولكن هل كانت النتائج حقًا مُرضية؟

تأتي المفاجأة عندما نراجع الإحصاءات الاقتصادية المتعلقة بالإنتاجية. فعلى الرغم من الدور المتزايد للذكاء الاصطناعي والنمو المذهل في قوة الحوسبة، لا تزال معدلات نمو إنتاجية العمل متدنية بشكل ملحوظ، وأقل من مستوياتها في التسعينيات. إذًا، كيف نفسر هذا التناقض بين التطور التقني الهائل وضعف النتائج الاقتصادية على الأرض؟

يكمن أحد التفسيرات لدى خبراء الاقتصاد في ظاهرة "مفارقة الجودة والكَمية"؛ فعندما ننشغل بالقيام بعدد كبير من النشاطات الصغيرة والمتشابهة في آن واحد، لا نمنحها التركيز أو العمق الكافي. فالعالم اليوم يُشجع الموظفين والباحثين على إطلاق مشاريع متعددة بشكل مستمر، مستعينين في ذلك بالذكاء الاصطناعي، من دون مساحة كافية للابتكار العميق أو البحث المتأني الذي يمنحنا القفزات الكبيرة إلى الأمام. ببساطة: الكثير من الضجيج والتكرار، والقليل فقط من الابتكار الحقيقي.

وهذا يقودنا إلى فهم محدودية مهارات الذكاء الاصطناعي الحالية؛ فالنماذج اللغوية الكبيرة، التي تعتمد على تحليل البيانات الهائلة وإنتاج نتائج تبدو ذكية، ليست سوى "محركات إجماع" تقدم لنا ما يبدو أكثر توقعاً أو شيوعاً، دون اقتراب من التفكير المبتكر أو الإبداع الحقيقي. إذا كان الذكاء الاصطناعي متاحاً في زمن جاليليو لأصر على أن الأرض مسطحة، لأنها كانت الفكرة السائدة بالمعلومة المتاحة!

ولكن، ما الإنجاز الحقيقي الذي قدمه الذكاء الاصطناعي في مجال الإنتاجية؟ لنأخذ على سبيل المثال موضوع البريد الإلكتروني. يستطيع الموظف الآن توفير نحو ثلاث ساعات ونصف أسبوعياً من وقت البريد بفضل الذكاء الاصطناعي. تبدو نتيجة مبشّرة للغاية، أليس كذلك؟ لكن المشكلة تكمن في أنه عندما يستخدم الجميع هذه التقنية، يرتفع معدل الرسائل وتعود مشكلة إهدار الوقت من جديد، في ظاهرة تعرف باسم "تأثير الارتداد الرقمي"؛ وهي ببساطة إلغاء أثر زيادة الفعالية عند استخدام الجميع للتكنولوجيا نفسها.

وهذا يوضّح لنا أن الابتكار الحقيقي لا يتعلق فقط بالأتمتة، بل يحتاج لقدرة الإنسان الفريدة على اختيار الأمور التي يركز عليها بشكل جاد. هذه القدرة هي التي أتاحت لاختراعات مثل الطائرات أو المضادات الحيوية الظهور؛ وهي القدرة التي لا يمكن لبعض التطبيقات والآلات، مهما كانت متطورة، أن تمتلكها لوحدها.

ذو صلة

واقع الحال اليوم يدعونا للتفكير بجدية: الذكاء الاصطناعي بالفعل سلاح فعال وقوي، ولكنه ليس العصا السحرية التي ستحل مشاكلنا الاقتصادية أو توقف تباطؤ نمو الإنتاجية تلقائياً. فالرهان الحقيقي يبقى على البشر والمؤسسات نفسها وإعادة ترتيب الأولويات لمنح الفرصة للابتكار الحقيقي، وأخذ المخاطرة والتفكير الإبداعي مكانته التي يستحقها.

وبالتالي، يُمكن القول بحذر إن مستقبل الإنتاجية والابتكار ليس مرتبطاً بقوة المعالجة فحسب، بل بتغيير المؤسسات لطريقة عملها وتشجيع ثقافة الجرأة والإبداع والاختلاف. وببساطة، سيبقى الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكن للبشر استخدامها إما لتعزيز تكرار المهام السطحية، أو للانطلاق الجريء نحو إنجازات حقيقية. القرار الآن بيدنا وحدنا.

ذو صلة