تقدم ثوري من مايكروسوفت في الحوسبة الكمية.. شريحة تحتوي على مليون كيوبت!

4 د
أطلقت مايكروسوفت شريحة "Majorana 1" بتقنية البتّات الكمّية الطوبولوجية، والتي تتميز بمناعة طبيعية ضد الأخطاء، مما قد يقلل الحاجة إلى تصحيح الأخطاء الكمّية بمقدار عشرة أضعاف.
تسمح التقنية الجديدة بدمج مليون بتّ كمّي على شريحة واحدة، متجاوزة الحواجز التقنية الحالية التي تتطلب تجهيزات ضخمة بحجم "حظيرة طائرات".
تشمل التحديات الحالية صعوبة تصنيع المواد الطوبولوجية على نطاق واسع، لكن مايكروسوفت اختارت إنتاج رقائقها داخليًا لضمان تحقيق رؤيتها.
بينما لا تزال هناك شكوك حول الجدول الزمني لتطوير الحوسبة الكمّية، فإن التطورات الأخيرة قد تسرّع الوصول إلى التفرد الكمّي أسرع مما كان متوقعًا.
بدأ العام الجاري بجدل واسع في مجال الحوسبة الكمّية (QC)، بعدما صرّح الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جنسن هوانغ، خلال معرض CES 2025 بأن "الحوسبة الكمّية المفيدة فعليًا لا تزال تبعد 20 عامًا عن التحقق". أدى هذا التصريح إلى تراجع أسهم الشركات العاملة في المجال وأثار نقاشًا عالميًا حول مستقبل هذه التقنية الواعدة. لكن بعد إعلان مايكروسوفت عن شريحة Majorana 1، يبدو أن الحوسبة الكمّية تقترب أكثر من أي وقت مضى من نقطة التفرد.
التفوّق الطوبولوجي: خطوة نحو التوسع الكميّ
يُعدّ الكشف عن معالج Majorana 1 بمثابة تحوّل جذري في عالم الحوسبة، مستندًا إلى لغز نظري عمره قرن من الزمن. فمن خلال تطوير موصل فائق طوبولوجي جديد، استطاعت مايكروسوفت تصميم بتّات كمّية (Qubits) تعتمد على جسيمات ماجورانا (MZMs)، وهي جسيمات نظرية طُرحت عام 1937، لكن لم يتم استغلالها عمليًا بشكل موثوق حتى الآن.
تتميّز هذه البتّات الكمّية الطوبولوجية عن نظيراتها التقليدية بكونها مقاومة بشكل طبيعي للتشويش البيئي، إذ تخزن المعلومات في تكافؤ الإلكترونات المنتشرة عبر أسلاك نانوية، مما يحقق حماية مدمجة ضد الأخطاء. وقد أكدت الأبحاث المنشورة في مجلة Nature أن هذه التقنية قد تقلل الحاجة إلى تصحيح الأخطاء الكمّية بمقدار عشرة أضعاف، مما يشكّل قفزة نوعية نحو جعل الحوسبة الكمّية أكثر عملية.
في الوقت الذي تركز فيه شركات مثل IBM وGoogle على التوسع عبر بتّات كمّية هشة تعتمد على الموصلات الفائقة أو الأيونات المحصورة، تقدّم مايكروسوفت بديلاً أقل استهلاكًا للمساحة، حيث يمكن دمج مليون بت كمّي على شريحة واحدة بحجم وحدة معالجة مركزية (CPU) قياسية. ويؤكد "شيتان نايك"، رئيس قسم الأجهزة الكمّية في مايكروسوفت، أن هذا النهج يلغي الحاجة إلى تجهيزات ضخمة بحجم "حظيرة طائرات" كما هو الحال مع الحلول المنافسة، مما يسهّل دمج التقنية في مراكز بيانات Azure السحابية.
إعادة تعريف صناعة البتّات الكمّية: تصنيع على المستوى الذري
يعتمد معالج Majorana 1 على مواد نانوية مصنوعة بدقة على المستوى الذري، تتكون من زرنيخ الإنديوم والألمنيوم، يتم تبريدها إلى ما يقارب الصفر المطلق وتعرضها لمجالات مغناطيسية، مما يولّد جسيمات ماجورانا عند نهايات الأسلاك النانوية. وتصف مايكروسوفت هذا الإنجاز بأنه "اختراع الترانزستور لعصر الكمّ".
لكن التحدي يكمن في قياس الحالات الكمّية، والتي بطبيعتها تكون مخفية ومحصّنة ضد المراقبة المباشرة. ولهذا، طورت مايكروسوفت تقنية تعتمد على نقاط كمّية وتقنيات انعكاس الموجات الميكروية لاكتشاف الفروقات الإلكترونية الطفيفة داخل الأسلاك النانوية—وهو ما يشبه تمييز حبة رمل واحدة وسط مليار حبة.
يستبدل هذا النظام الرقمي الضوابط التناظرية التقليدية بنبضات جهد بسيطة، مما يجعل تصحيح الأخطاء الكمّية أكثر كفاءة عبر قياسات مباشرة بدلاً من العمليات الحسابية المعقدة. وتُظهر النتائج المبكرة دقة قياس تصل إلى 99%، إلى جانب فترات تماسك تدوم أكثر من 1 ملي ثانية، أي أكثر بكثير من الأجيال الأولى من البتّات الكمّية الفائقة التوصيل.
تحديات التصنيع والطريق نحو التأثير الصناعي
مع انتقال مايكروسوفت من التحقق الفيزيائي إلى هندسة الأنظمة الكمّية، يجري حاليًا اختبار مصفوفة 4×2 من البتّات الكمّية لقياس التداخل الكمّي ورصد الأخطاء، مع خطة توسع مستقبلية تصل إلى مليون بتّ كمّي مخصص لتطبيقات علمية واسعة، تشمل اللوجستيات، والكيمياء، وعلوم المواد.
ومن بين التطبيقات المحتملة، يمكن للحوسبة الكمّية المساعدة في تصميم محفّزات قادرة على تحليل الميكروبلاستيك، أو إنزيمات تزيد من إنتاج المحاصيل الزراعية، وهو ما يتوافق مع الأهداف البيئية المستدامة. غير أن تحقيق هذه الطموحات يتطلب قدرة حسابية غير مسبوقة.
مع ذلك، لا تزال هناك عقبات أمام هذه الثورة التقنية، إذ لا تزال عملية تصنيع المواد الطوبولوجية على نطاق واسع تمثل تحديًا، ولهذا اختارت مايكروسوفت إنتاج رقائقها داخليًا بدلاً من الاستعانة بمورّدي Azure. في المقابل، يخطط منافسون مثل IQM وOxford Ionics لإنتاج أنظمة تحتوي على 200 بتّ كمّي بحلول عام 2027، لكن حتى كبار العلماء في المجال يعترفون بأن الوصول إلى مليون بتّ كمّي لا يزال بعيد المنال.
التفرد الكمّي يزدهر وسط الشكوك
الشكوك حول الجدول الزمني للحوسبة الكمّية ليست بلا مبرر، إذ تنبع من معدلات الخطأ المرتفعة والتحديات الهندسية في توسيع النطاق. لكن التاريخ يُظهر أن التحولات الجذرية تحدث عندما يجبر المشككون المبتكرين على تجاوز القيود التقنية. ويبدو أن نهج مايكروسوفت يعالج هذه التحديات من جذورها، من خلال إعادة تعريف الفيزياء الكمّية ذاتها بدلًا من تحسين نماذج سابقة محدودة الإمكانيات.
المسار الذي سلكته مايكروسوفت في تطوير البتّات الكمّية الطوبولوجية يُعيد للأذهان الشكوك التي أحاطت بتقنية الترانزستور في خمسينيات القرن الماضي، أو الشبكات العصبية في العقود الأخيرة. لكن كما حدث مع هذه الابتكارات، فإن التوتر بين الحذر والطموح هو ما يدفع عجلة التقدم. واليوم، هذا الصراع بين التشكيك والتفاؤل هو ما قد يكون الحافز الرئيسي للوصول إلى تفرد كمّي يصبح فيه الحوسبة الكمّية أداة موثوقة مثل الترانزستور تمامًا، يخطر هنا على بالنا سؤال هل يمكن ان يتدخل الذكاء الاصطناعي في الأمر ويصنع أكبر حاسوب كمي؟