ثقب جاذبية غامض في المحيط الهندي.. لغز جيولوجي أم تهديد كامن 🧐؟

4 د
اكتشف العلماء منطقة انخفاض جاذبي هائلة في المحيط الهندي، تُعرف باسم "الانخفاض الجيودي للمحيط الهندي" (IOGL)، حيث ينخفض مستوى المحيط بنحو 106 أمتار.
أظهرت دراسة حديثة أن سبب هذه الظاهرة قد يكون تدفق مواد منخفضة الكثافة من أعماق الوشاح، على الأرجح من الطفو الفائق الأفريقي.
تشير النماذج الجيوديناميكية إلى أن هذه الظاهرة قد تكون ناتجة عن تحركات الصفائح التكتونية وانغمار محيط قديم تحت القشرة الأرضية.
لا يزال مستقبل هذا "الثقب الجاذبي" غير محسوم، وقد يظل قائمًا لملايين السنين أو يختفي بسبب تحركات الصفائح التكتونية.
كشف العلماء عن ظاهرة غامضة ظلَّت تحير الباحثين لعقود طويلة، وهي انخفاض هائل في الجاذبية ضمن منطقة محددة من المحيط الهندي، تُعرف باسم "الانخفاض الجيودي للمحيط الهندي" (IOGL). في هذه المنطقة، ينخفض سطح المحيط بمقدار 106 أمتار عن المناطق المحيطة، وتتميز بكونها أضعف مناطق الجاذبية على كوكب الأرض. حتى وقت قريب، كانت أصول هذه الظاهرة غير واضحة، لكن دراسة حديثة نشرتها مجلة Geophysical Research Letters تقدم تفسيرًا علميًا قد يغيّر نظرتنا إلى البنية العميقة للأرض.
الأرض ليست كرة مثالية: لماذا تختلف الجاذبية من مكان لآخر؟
رغم أن الأرض تبدو من الفضاء ككرة زرقاء متناسقة، فإنها في الواقع ليست موحدة الشكل أو الكتلة. الاختلافات في توزيع الكتلة تحت السطح تؤثر على قوة الجاذبية في مختلف أنحاء العالم، مما يؤدي إلى نشوء "تشوهات جيودية". هذه الاختلافات تجعل مستوى سطح البحر يرتفع أو ينخفض استجابةً لتباين قوى الجاذبية.
"يُعدّ الانخفاض الجيودي للمحيط الهندي أحد أبرز الألغاز في علوم الأرض،" بحسب البروفيسور أتريي غوش من معهد العلوم الهندي في بنغالور. "إنه أدنى نقطة في الجيود على مستوى العالم، ولم يكن هناك إجماع على سببه حتى الآن."
على عكس الانخفاضات الجيودية الأخرى التي يمكن تفسيرها بسهولة من خلال الحركات التكتونية أو أنشطة الوشاح، ظلَّ IOGL غامضًا. بعض العلماء افترضوا سابقًا أن الظاهرة قد تكون نتيجة صفيحة تكتونية غارقة في طبقات الوشاح، لكن هذا التفسير لم يكن كافيًا لتبرير حجم هذه الظاهرة.
تفسير جديد عبر نماذج جيوديناميكية متقدمة
في الدراسة الحديثة، استخدم الباحثون نماذج جيوديناميكية لمحاكاة النشاط الجيولوجي في المنطقة على مدار 140 مليون سنة، بهدف تتبع تطورات طبقة الوشاح في أعماق الأرض. النتائج كشفت عن مفاجأة: السبب المحتمل لهذه الظاهرة ليس صفيحة غارقة، بل تدفق هائل لمواد منخفضة الكثافة ومرتفعة الحرارة قادمة من عمق الوشاح، على الأرجح من "الطفو الفائق الأفريقي" الذي يمتد شرقًا حتى يصل إلى منطقة IOGL.
قوة خفية في أعماق المحيط الهندي
اعتمد الباحثون على بيانات التصوير الزلزالي ونماذج حاسوبية متقدمة لدراسة الحركات الداخلية للأرض. واكتشفوا أن الانخفاض الجيودي يرتبط بأنشطة غير عادية في الوشاح، حيث توجد مواد أخف وأكثر حرارة تمتد من عمق 300 كم إلى نحو 900 كم تحت المحيط الهندي.
يوضح البروفيسور غوش:
"وجود منطقة جيودية منخفضة أو سلبية ناتج عن نقص الكتلة في أعماق الوشاح، دراستنا تفسر هذه الظاهرة بوجود مادة ساخنة وخفيفة تمتد في عمق الوشاح، ويرجح أنها نابعة من الطفو الفائق الأفريقي."
هذه الظاهرة ليست عشوائية، إذ تشير الدراسة إلى ارتباطها بتحركات الصفائح التكتونية خلال ملايين السنين. قبل 140 مليون عام، لم تكن الهند متصلة بآسيا، بل كانت هناك محيطات تفصل بينهما. عندما تحركت الهند شمالًا، أغلقت تلك الفجوة، مما أدى إلى انغمار الطبقة المحيطية أسفلها في طبقات الوشاح. هذه العملية ربما تكون قد حفزت صعود تيارات الوشاح، جالبةً معها مواد منخفضة الكثافة نحو السطح، مما أدى في النهاية إلى تكوين IOGL.
هل سيختفي هذا "الثقب الجاذبي"؟
أحد الأسئلة العالقة هو ما إذا كان IOGL سيظل قائمًا إلى الأبد، أم أن التحركات التكتونية المستقبلية ستؤدي إلى زواله.
وفقًا للفريق البحثي، يُعتقد أن هذه الظاهرة بدأت في التشكل قبل حوالي 20 مليون عام، وهو وقت قصير نسبيًا في مقياس الزمن الجيولوجي. لكن مصيرها لا يزال غير محسوم. "ذلك يعتمد على كيفية تحرك الكتل داخل الأرض،" يقول غوش. "قد تستمر الظاهرة لملايين السنين، لكنها قد تختفي أيضًا إذا استمرت تحركات الصفائح التكتونية بطريقة تؤدي إلى إعادة توزيع الكتل."
مع ذلك، لم يقتنع جميع العلماء بأن هذه الدراسة تقدم تفسيرًا قاطعًا للظاهرة. الدكتور أليساندرو فورتي، عالم الجيولوجيا بجامعة فلوريدا، يجادل بأن النماذج الجيوديناميكية لا تأخذ في الحسبان التأثير الهائل لعمود الوشاح الذي تسبب في ثورانات بركانية ضخمة مثل "مصائد الدكن"، والتي تُعتبر من أكبر التكوينات البركانية على الأرض.
وبالرغم من أن النماذج أظهرت تطابقًا بنسبة 80% بين الجيود المتوقع والجيود المرصود، إلا أن هناك بعض الفجوات، خاصة في مناطق المحيط الهادئ وأفريقيا وأوراسيا.
بهذا الاكتشاف، تفتح الأبحاث الأبواب أمام فهم أعمق لكيفية تطور أعماق الأرض وتأثيرها على سطح الكوكب، مما يعزز رؤيتنا للطبيعة الديناميكية لطبقات الأرض العميقة.