حفرة عملاقة على سطح القمر قد تكشف أسرار نشأة الأرض.. ومهمة “أرتميس” تحمل المفتاح

3 د
يُعد حوض القطب الجنوبي - أيتكن أقدم وأكبر فوهة تصادمية على سطح القمر، وربما في النظام الشمسي.
يعتقد العلماء أنه يحتوي على بقايا من محيط ناري غطّى سطح القمر في بدايات تشكّله.
وفّر الاصطدام المائل الذي أنشأ الحفرة نظرة فريدة إلى باطن القمر، خصوصًا وشاحه الداخلي.
قد تجمع مهمة "أرتميس" المرتقبة لأول مرة عينات من هذه المنطقة، ما يفتح الباب لفهم جديد لنشأة القمر وتاريخ الأرض الجيولوجي.
في تطور علمي مثير، أضاءت الأبحاث الأخيرة على أحد أقدم وأضخم المعالم الجيولوجية في النظام الشمسي: حوض القطب الجنوبي - أيتكن على سطح القمر. هذا الحوض الهائل الذي نشأ نتيجة اصطدام عنيف قبل أكثر من أربعة مليارات عام، قد يكون مخزنًا لآثار نادرة من محيط ناري قديم غطّى سطح القمر في بدايات تكوّنه، وربما يحمل أسرارًا حاسمة عن تاريخ الأرض نفسه. ومع اقتراب مهمة "أرتميس" المقررة في عام 2026، يأمل العلماء أن تكون هذه الرحلة بوابة لفك شيفرة ماضٍ جيولوجي مشترك بين القمر وكوكبنا الأزرق.
اصطدام غيّر مجرى التاريخ القمري
قبل نحو 4.3 مليار سنة، اصطدم جرم سماوي ضخم بسطح القمر، مخلّفًا وراءه الحفرة المعروفة اليوم باسم "حوض القطب الجنوبي - أيتكن"، والتي تعد أضخم فوهة تصادمية معروفة على سطح القمر، وواحدة من أقدم المعالم الجيولوجية في النظام الشمسي. هذا الحدث الهائل لم يترك فقط أثراً سطحياً، بل اخترق القشرة القمرية ليكشف أجزاءً من الوشاح الداخلي، وهو الطبقة العميقة التي تُعدّ مفتاحاً لفهم مراحل التبلور والتصلّب التي مر بها القمر بعد نشأته.
بقايا "المحيط الناري": أدلة على البدايات الأولى
يرجّح العلماء، وعلى رأسهم البروفيسور جيف أندروز-هانا من جامعة أريزونا، أن هذه الحفرة قد تكون قد كشفت عن "مرحلة متأخرة من المحيط الناري" الذي غلّف القمر بعد تشكله. ويشير المصطلح إلى طبقة من الصهارة المنصهرة التي غمرت سطح القمر في بداياته، قبل أن تبدأ بالتبريد والتبلور تدريجيًا. خلال هذا التبلور، طفت المعادن خفيفة الكثافة مكوّنة القشرة، بينما غرقت المعادن الأثقل إلى الأسفل، مشكّلةً الوشاح القمري.
ويضيف أندروز-هانا أن المواد التي أُخرجت بفعل هذا الاصطدام العنيف قد تحوي تركيزات من عناصر نادرة مثل البوتاسيوم، والعناصر الأرضية النادرة، والفوسفور، وهي معروفة علمياً باسم "KREEP"، وهي بقايا كيميائية ناتجة عن تبخر مكونات المحيط الناري.
زاوية الاصطدام تغيّر نظرتنا إلى الحفرة
وعلى الرغم من أن العلماء لطالما عرفوا بوجود الحفرة، فإن الدراسات الجديدة سلّطت الضوء على شكلها الغريب المستطيل، ما يشير إلى أن الاصطدام الذي شكلها لم يكن مباشرًا، بل وقع بزاوية مائلة. هذا التفصيل الجيولوجي يوفّر أدلة مهمة حول طبيعة الاصطدامات في المراحل الأولى من النظام الشمسي، ويعيد تشكيل الفرضيات حول كيفية تشكل سطح القمر.
أرتميس: المفتاح لفتح كنز جيولوجي دفين
تُعد مهمة "أرتميس"، التي تخطط وكالة ناسا لإطلاقها عام 2026، بمثابة خطوة حاسمة في استكشاف هذا الموقع الفريد. فبعثة "أرتميس" تهدف إلى إرسال روّاد فضاء إلى مناطق غير مستكشفة من القمر، من ضمنها حوض القطب الجنوبي - أيتكن. وفي حال تمكّن الرواد من جمع عينات من المواد المُستخرجة من الوشاح القمري، فسيحصل العلماء لأول مرة على أدلة مادية يمكن مقارنتها مع العينات التي تم جمعها من "إقليم KREEP" خلال بعثات "أبولو"، مما يسمح ببناء تسلسل زمني أكثر دقة لتاريخ التبلور القمري.
يعلّق أندروز-هانا: "سيوفّر لنا حوض أيتكن العمر الدقيق لمرحلة التبلور المتأخرة من المحيط الناري، وهو عنصر أساسي لفهم تاريخ القمر وربما الأرض أيضاً."
نحو فهم أعمق للوشاح القمري وتكوّن الأرض
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يتجاوز حدود القمر ذاته، إذ أن فهم تاريخ القمر الجيولوجي يقدّم نافذة نادرة لفهم المراحل المبكرة من تطور الأرض. فالقمر، بصفته توأماً جيولوجيًا للأرض ونتاجًا محتملًا لاصطدام عملاق بينها وبين جرم آخر، يحتفظ بآثار لم تعد موجودة على الأرض بسبب النشاط التكتوني والتعرية. ومن هنا، فإن تحليل هذه العينات يمكن أن يسلط الضوء على البيئة التي تشكلت فيها الأرض والنظام الشمسي بأكمله.