حين نقش الإنسان الأول سيلفي مع الديناصورات… هل كنا جيرانًا على هذا الكوكب؟

هل تصور الإنسان القديم يومًا عالم الديناصورات؟ يبدو التساؤل غريبًا وغير وارد، أليس كذلك؟ لكن مفاجأة مذهلة من البرازيل، اكتشفها باحثون مؤخرًا، قد تدفعنا نحو التفكير في الأمر من زاوية غير متوقعة إطلاقًا.

في منطقة "سيروت دو ليتريو" الريفية ضمن ولاية باراييبا شرق البرازيل، قام مجموعة من الباحثين بالكشف عن اكتشاف استثنائي قد يغير فهمنا لطريقة تفكير وتفاعل الإنسان القديم مع الطبيعة. والحديث هنا عن نقوش صخرية قديمة يعود تاريخها إلى حوالي 9 آلاف عام، وهي منحوتة على مسافة لا تبعد سوى بضع سنتيمترات عن آثار أقدام ديناصورات! نعم، أقدام ديناصورات تعود لعشرات الملايين من السنين، تحديدًا نحو 66 مليون سنة.

ومع أن الموقع ليس جديدًا بالكامل، بل سبق الإعلان عنه منذ عام 1975، إلا أن استطلاعات حديثة باستخدام طائرات الدرون ساعدت في الكشف عن تفاصيل جديدة جعلت العلماء يندهشون بشدة. فالرسومات والنقوش البشرية قريبة جدًا من تلك الآثار العملاقة التي تركها الديناصور في زمن سابق لعهد البشرية بكثير؛ البعض منها لا يتجاوز 5 إلى 10 سنتيمترات فقط!

الملفت حقًا، أن هذه الرسومات الصخرية، أو ما يُسمى "البتروغليف"، تظهر اختلافات واضحة في أساليب التنفيذ والتقنية. وهذا يشير إلى أن مجموعات متعددة من سكان المنطقة القدماء، على الأغلب كانوا قبائل رحلاً يعملون بالصيد وجمع الطعام، رسموا هذه المنحوتات على فترات زمنية متباعدة ربما امتدت بين 9400 عام و2620 عامًا مضت.

الدراسة، التي نُشرَت مؤخرًا في مجلّة Nature العلمية المرموقة، قدمت تفسيرًا مهمًا لهذه المفارقة الغريبة. الباحث ليوناردو ترويانو، وهو منسق التعاون والترويج في المعهد الوطني للتراث التاريخي والفني بالبرازيل، يوضح أن الفنانين الأوائل ربما قد تعاملوا مع هذه الآثار الأحفورية بنوع من الاحترام والتقدير الروحي. ربما قد اعتبروا تلك الآثار جزءًا من معتقداتهم وأساطيرهم، وهذا يعكس ارتباطًا ثقافيًا وروحيًا عميقًا بين الإنسان القديم والطبيعة المحيطة به.

ترويانو يشير أيضًا إلى أن هذا الاكتشاف هو حالة فريدة، تجمع بشكل مدهش بين علوم الفنون الصخرية (الأركيولوجيا) وعلم الحفريات (الباليونتولوجيا)، مما يوضح لنا كيف كانت البشرية القديمة ترى هذه الآثار وتدمجها في رؤيتها عن العالم. يقول ترويانو:

يثير هذا الموقع البرازيلي أسئلة عميقة عن طريقة تفكير الإنسان القديم وتصوّراته. هل أدرك القدماء أن هذه العلامات تعود لكائنات عاشَت منذ ملايين السنين واختفت قبل ظهور الإنسان نفسه؟ أم أنهم رأوا هذه الأقدام بصفتها جزءًا من عوالم أسطورية أو أرواح خاصة بمعتقداتهم؟ رغم استبعاد العلماء لفكرة أن القدماء كانوا على علم بحقائق علمية معيّنة حول الديناصورات، إلا أن المكانة الهامة التي أعطوها لتلك الآثار تدل على أنهم اعتبروها ذات معنى خاص وواضح.

وراء هذه النتائج المثيرة تقف جهود ضخمة لفريق متعدد التخصصات، من بينهم خبيرة الآثار هيلويزا بيتو، وعالما الحفريات ألين مارسيل جيلاردي وتيتو أوريليانو. الفريق عبّر عن فخره الكبير بهذا الاكتشاف الذي يثبت أن العلم يحتاج دومًا للتعاون بين مختلف التخصصات؛ ليكشف لنا عن الصورة الأشمل والأكثر ثراءً لما خلّفته البشرية وراءها.

وأوضح الباحثون كيف أن هذه الرسومات نُقِشَت بطرق بدائية لكنها مثيرة للإعجاب، فما بين تقنية "النقر"، أي استخدام حجر كالمطرقة لحفر نقاط على الصخور، وطريقة "الحك والتجريف"، يعكس ذلك قدرة بشرية إبداعية مدهشة، كانت قادرة على التعبير عن أفكار ربما غابت تفاصيلها عنا اليوم.

في النهاية، يفتح الاكتشاف الجديد أبوابًا لمزيد من الأسئلة ويثير الخيال. فالإجابة قد لا تكون سهلة، ولكننا بدأنا نرى كيف أن الأدلة القديمة قد تقربنا للحظة سحرية في التاريخ، حيث وقفت مخيلة الإنسان القديم في رهبة أمام آثار عالم اختفى قبل وجوده بوقت طويل.