داخل كنز عمره قرون… عُثر على معدن لا ينتمي للأرض

3 د
عُثر على قطعتين أثريتين من العصر البرونزي في شبه الجزيرة الإيبيرية مصنوعة من "حديد السماء".
أكد العلماء أن القطع الأثرية تحتوي على مستويات عالية من النيكل، مميزة للحديد النيزكي.
تعود القطع للمجموعة الذهبية "كنز فيينا"، بتاريخ ما بين 1500 و1200 قبل الميلاد.
تُظهر النتائج براعة حرفيي العصر البرونزي في استخدام المواد الفضائية.
في اكتشاف ملفت يزيد من الأسرار التي تُخفيها الحضارات القديمة، عثر الباحثون مؤخراً على قطعتين أثريتين من زمن العصر البرونزي في شبه الجزيرة الإيبيرية تحملان سراً غريباً ومدهشاً. القطعتان، وهما سوار حديدي متآكل وغطاء حديدي صغير مزين بالذهب، أظهرتا علامات تشير إلى وجود أصلهما خارج كوكبنا الأرض.
وما يجعل هذا الأمر مثيراً تأكيد العلماء من خلال تحليل المعادن أن هاتين القطعتين لم تُصنعا من الحديد التقليدي المستخرج من الأرض، بل من "حديد السماء"، أو الحديد المأخوذ من النيازك التي سقطت قبل آلاف السنين على سطح الأرض. وهكذا، فإن هذه القطع، التي جرى اكتشافها منذ أكثر من ستين عاماً ضمن كنز "فيينا" في مدينة أليكانتي الإسبانية، تمثل الآن أولى الأدلة المعروفة على وجود حديد نيزكي في شبه الجزيرة الإيبيرية.
هذا الاكتشاف تقدم به الباحث سالفادور روفيرا يورينز، المدير السابق لقسم الحفظ في المتحف الأثري الوطني الإسباني، ونشر النتائج في دراسة علمية متخصصة خلال عام 2023. وقد حرص الباحثون في هذه الدراسة على الكشف عن الحقيقة من خلال استخدام تقنية "قياس الطيف الكتلي"، وهي وسيلة حديثة تسمح بمعرفة التركيبة الكيميائية الدقيقة للعينات، وأكدت النتائج احتواء القطعتين على مستويات عالية من معدن النيكل، وهي عنصر رئيسي يميز الحديد النيزكي.
وبهذا الاكتشاف، تمكن العلماء من حل لغز حيّرهم لفترة طويلة يتعلق بالعمر التاريخي لهذين الجسمين المعدنيين. إذ من المعروف أن الحضارات في العصر البرونزي لم تكن تمتلك أدوات إنتاج حديد من الأرض، فهي تقنية ظهرت لاحقاً مع بدء العصر الحديدي في المنطقة حوالي 850 قبل الميلاد. ولكن مواد مجموعة الكنز الذهبية هذه، المعروفة باسم "كنز فيينا"، تعود للفترة ما بين عامي 1500 و1200 قبل الميلاد، وهذا ما كان يثير حيرة العلماء.
هذا الحل المنطقي جداً يربط القطع الحديدية الغريبة مع بقية المقتنيات الذهبية، ويؤكد أنها تعود إلى الفترة نفسها، ما بين 1400 الى 1200 قبل الميلاد. وهكذا يمكننا القول بأن هذه الآثار هي من القطع الأولى التي صنعها الإنسان القديم من مواد فضائية خلال العصر البرونزي في أوروبا، مشابهة لخنجر توت عنخ آمون الشهير المصنوع هو الآخر من حديد أحد النيازك.
من الجدير بالذكر أن حالة التآكل التي أصابت القطعتين تُبقي المجال مفتوحاً لمزيد من الفحوص المستقبلية والتقنيات التحليلية الحديثة التي لا تحتاج لأخذ عينات مادية، ما يعني أننا قد نسمع قريباً عن نتائج أوضح وأكثر دقة لهذا الاكتشاف الذي يُسلط الضوء على حرفية ومهارة حرفيي العصر البرونزي، والذين ربما كانوا واعين بأهمية مثل هذا "الحديد السماوي" وندرته.
وبينما نترقب مزيداً من التفاصيل التي قد تتكشف مع تطور التكنولوجيا، يمكن القول إن هذه النتائج التي تم نشرها مؤخراً تُلقي نظرة جديدة تماماً على تاريخ الصناعة البشرية القديمة وتُثبت أن أجدادنا كانوا يعرفون قيمة القطع التي يختارونها ومدى ندرة وخصوصية المعادن التي يستخدمونها. ربما في المرة المقبلة، سيساهم استخدام عبارات أكثر وضوحاً وإضافة مزيد من التفاصيل حول التقنيات الحديثة المستخدمة، في جعل هذه المعلومات التاريخية أكثر متعة وفهماً للقارئ الباحث عن المعرفة العلمية بطريقة مبسطة ومشوقة.