عصر جديد من العلم: كيف تفتح الحوسبة الكمومية آفاقًا ثورية في الطب وتطوير الأدوية؟

3 د
نجح برنامج ألفا فولد في حل لغز طي البروتينات عام 2020 بشكل تاريخي.
تُعَدّ الحوسبة الكمومية ثورة قد تفتح آفاقًا غير مسبوقة في أبحاث الأدوية.
الحوسبة الكمومية تعتمد على "الكيوبتات" ومعالجتها للبيانات أسرع من الحوسبة التقليدية.
يجمع الذكاء الاصطناعي الكمومي بين التحليل القوي والقدرات المتقدمة لتطوير الأدوية والعلاجات.
تواجه الحوسبة الكمومية تحديات تقنية حالية رغم الجهود والشراكات من شركات كبرى.
قبل بضع سنوات، تحديداً في عام 2020، تمكن العالم من أن يشهد لحظة تاريخية عندما نجح برنامج "ألفا فولد" من شركة ديب مايند (DeepMind)، في حل أحد أعقد الألغاز البيولوجية: كيف تطوي البروتينات نفسها لتأخذ شكلها ثلاثي الأبعاد الفريد. هذه المعضلة حيّرت العلماء لعقود طويلة، فمعرفة الشكل النهائي للبروتين كانت تعني إمكانية فهم وظيفته وطرق التفاعل معه، وهذا الأمر بالغ الأهمية للطب وتطوير الأدوية ومجالات التكنولوجيا الحيوية عموماً.
إلا أن هذا الإنجاز التاريخي، الذي استند إلى تقنيات الحوسبة التقليدية، لا يزال يواجه قيودًا معينة بسبب قدرة الكمبيوترات التقليدية المحدودة على التعامل مع مستوى التعقيد الفائق في عملية طي البروتينات. ولهذا السبب، بدأت الأنظار تتجه إلى "الحوسبة الكمومية" وتقنياتها الجديدة كخطوة ثورية تفتح آفاقاً واعدة غير مسبوقة في مجال اكتشاف الأدوية وأبحاث علوم الحياة.
الحوسبة الكمومية تختلف عن الحوسبة التقليدية التي نعرفها، فهي تعتمد على "الكيوبتات-Qubits" بدلًا من البتات (Bits). يكمن السر هنا في أن هذه "الكيوبتات" يمكنها أن تكون في حالتين أو أكثر في الوقت نفسه بفضل خاصية "التراكب الكمومي". كما أن ميزة "التشابك الكمومي- Quantum Entanglement" التي تتميز بها هذه الأجهزة تسمح لها بمعالجة البيانات بشكل أسرع وأسهل بكثير عند التعامل مع عمليات حوسبة معقدة جداً، مثل التفاعلات الجزيئية التي تحدث أثناء طي البروتينات.
وهنا يأتي دور ما يعرف بـ "الذكاء الاصطناعي الكمومي" (Quantum AI). في هذه التقنية يتم دمج الذكاء الاصطناعي ونماذجه التحليلية القوية مع القدرات المتقدمة فائقة السرعة للحواسيب الكمومية، ما ينتج عنه نماذج حسابية هجينة فائقة الكفاءة والدقة. هذه النماذج قادرة على توقع كيف يتكوّن الشكل النهائي للبروتين، مع إمكانية محاكاة التفاعلات في زمن قياسي، ما يسرع بشكل لافت من عمليات تطوير الأدوية والعلاجات الجديدة.
العديد من الشركات الكبرى كغوغل (Google)، وآي بي إم (IBM)، إلى جانب شركات ناشئة واعدة مثل بروتين كيور (ProteinQure) وزاباتا (Zapata)، تعمل حالياً على استكشاف تطبيقات تقنية الذكاء الاصطناعي الكمومي في الطب وصناعة الأدوية، وذلك بالتعاون مع أكبر شركات الأدوية مثل روش (Roche). ورغم هذه الجهود الكبيرة، فإننا لا نزال في مرحلة مبكرة حيث التقنيات الكمومية التي نمتلكها اليوم تعاني من بعض التحديات التقنية، وتُعرف حواسيب هذه المرحلة بحواسيب "نيسك-NISQ"، وهي حواسيب كمومية قد تحققت فيها بعض الانجازات لكنها لا تزال قليلة الثبات ومعرضة للأخطاء.
لكن المستقبل يبدو مشرقًا، فكل عام يحمل معه تطورات مهمة وأفكاراً جديدة تساعد على تجاوز تحديات الحوسبة الكمومية الحالية. ومع الوصول إلى مرحلة الدعم الكامل لأجهزة كمومية أكثر استقرارًا وقابليةً للتوسع، سنكون أمام ثورة علمية وتقنية جديدة بالكامل، يمكن أن تحدث قفزة هائلة في مجالات مثل الأدوية الشخصية، وتطوير لقاحات فعالة بسرعة، واكتشاف مواد مبتكرة ذات تطبيقات واسعة في الطب والصناعة والزراعة.
في الختام، قد تكون تقنية "ألفا فولد" قد كسرَت حاجزاً تاريخياً في فهم كيف تتشكل البروتينات، لكن الخطوة المقبلة ستكون أكبر بكثير حين تستثمر البشرية قوة الحوسبة الكمومية، لنجعل من هذه التكنولوجيا المتقدمة جسرًا يعبر بنا نحو عصر جديد أكثر دقة في العلوم البيولوجية والطبية. ولتحقيق ذلك، سيكون من المفيد التركيز أكثر على تبسيط الجوانب الفنية وإضافة أمثلة واقعية تبين للقارئ كيف يمكن لهذه التقنية الجديدة أن تؤثر على حياته اليومية بشكل مباشر، فهذا بالتأكيد سيضيف بُعداً آخر من الإثارة والتشويق للمقالات المقبلة.