ذكاء اصطناعي

في عرض حي من السماء: كوكب يتفتت ويخلّف أثرًا يشبه المذنبات

في عرض حي من السماء: كوكب يتفتت ويخلّف أثرًا يشبه المذنبات
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

رصد علماء الفلك كوكبًا بعيدًا يقع على بعد 140 سنة ضوئية يتفتت وينهار.

يدور الكوكب بشكل قريب من نجمه، محولًا سطحه إلى حمم متبخرة لفضاء.

يفقد الكوكب كتلة مهولة كل دورة، ما يعني أن أيامه معدودة.

ذيل الكوكب مكون من حبيبات صخرية صغيرة انصهرت وطارت للفضاء.

في ظاهرة كونية تبدو وكأنها مشهد خيالي من فيلم للخيال العلمي، رصد علماء الفلك كوكباً بعيداً يقع على مسافة حوالي 140 سنة ضوئية من الأرض، بدأ بالفعل في التفتت والانهيار في مشهد مهيب يُظهر لنا الجانب المُظلم من تطور الكواكب ومصيرها المحتمل.


رحلة وداعٍ درامية لكوكبٍ بعيد

الكوكب، والذي يحمل الاسم العلمي "BD+05 4868 Ab"، يمكننا وصفه بأنه يعيش أيامه الأخيرة بالفعل، حيث يتعرض مع كل دورة كاملة يدور فيها حول نجمه لفقدان كمية مهولة من المواد تُقارب كتلة قمة جبل إيفرست بأكملها! هذه الظاهرة الفريدة نتج عنها تكوين ذيل ضخم يشبه إلى حد كبير ما نراه عادةً يرافق المذنبات، مع فارق رئيسي واحد فقط وهو طبيعة المواد المفقودة.


كيف يمكن لكوكب أن يمتلك ذيلاً؟

تخيّل أن الكوكب يدور قريبًا جدًا من نجمه بمدار قصير لا يتجاوز 30.5 ساعة فقط! هذه المسافة شديدة القرب تجعل سطحه الصخري حرفيًا يتحول إلى الحمم المنصهرة بفعل الحرارة العالية، لتتبخر مباشرة هذه الصخور إلى الفضاء على شكل جزيئات صغيرة تشكل في النهاية ذيلًا طويلاً ممتداً في الفضاء لملايين الكيلومترات وراءه. ووفقاً للباحث مارك هون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا MIT:


"ذيل الكوكب عملاق بطول يصل إلى 9 ملايين كيلومتر نصف مداره تقريبًا، وهذا أمرٌ استثنائي بكل المقاييس"


نهاية وشيكة وسريعة

مما يزيد من الاهتمام بهذا الكوكب، أنه مع كل دورة يخسر كتلة كبيرة جدًا، وهو ما يعني فعلياً أن أيامه باتت معدودة. حسب ما يوضحه الباحث آفي شبورير:


"إنه يختنق، وكأنه يعيش أنفاسه الأخيرة بالفعل"

ويتوقع العلماء أن يكون هذا الكوكب قد اختفى بالكامل خلال فترة قصيرة نسبيًا بمقاييس الفضاء، تصل ما بين مليون إلى مليوني عام قادم، وهو زمنٌ قصير جداً بالنسبة للأحداث الفلكية الضخمة.


الاختلاف عن المذنبات التقليدية!

عند التفكير في ذيول المذنبات التي نشاهدها في سمائنا، يُخيل لنا دائماً ذيولاً مكوّنة من غازات متطايرة وجليد. لكن هذا الكوكب مختلف تماماً، فالذيول التي نراها منه تتكون بالأساس من حبيبات صخرية صغيرة انصهرت بفعل حرارة نجمها، ثم تبعثرت وتبخرت في الفضاء، وهو حدث استثنائي فعلاً ونادر جداً في عالم الأبحاث الفلكية.


دور التلسكوبات الحديثة في اكتشاف الكارثة الفلكية

المثير في هذه الظاهرة وكيفية اكتشافها، هو دور التكنولوجيا الفلكية المعتمدة على تلسكوبات متطورة مثل القمر الصناعي "تيس" (Transiting Exoplanet Survey Satellite - TESS)، الذي التقط تغيرات غير مألوفة في ضوء النجم المضيف أثناء مرور الكوكب أمامه، مما وضع العلماء فوراً أمام لغزٍ مثير حول ما يحدث. وأدت هذه الملاحظات إلى اكتشاف الذيل المُلتهب العملاق المنبعث من الكوكب.

التحدي الآن هو فهم وتحليل تكوين هذه المواد باستخدام التلسكوب الأكثر تقدماً "جيمس ويب"، والذي سينقل لنا مزيداً من التفاصيل الدقيقة حول ما يحدث وراء الستار، وسيُمكن العلماء من تحليل مكونات هذا الذيل بصورة أكثر دقة وتحديد الطريقة الدقيقة التي يتلاشى بها الكوكب تدريجياً.


تأثير "كرة الثلج" وفقدان السيطرة

ويُعتقد أن كتلة الكوكب الصغيرة نسبيًا بين حجم عطارد والقمر، هي السبب في تسارُع عملية التفكك. وشرح الباحثون ذلك بطريقة مبسطة، فعندما تكون جاذبية الكوكب ضعيفة بسبب صغر حجمه، تنبعث منه المواد بسهولة أكبر نحو الفضاء. وكلما فقد الكثير من مواده، تقل كتلته وبالتالي يزداد فقدان المزيد والمزيد من المواد، في عملية متسارعة ومدمرة لا يمكن وقفها!


دروس علمية قيّمة

ذو صلة

هذه الظاهرة الاستثنائية توفر بلا شك فرصة ذهبية للعلماء لدراسة اللحظات الأخيرة في حياة الكواكب عن قرب. فمراقبة كوكب "BD+05 4868 Ab" ليست فقط رصدًا لمشهد فضائي مهيب، بل أيضًا ستمكن العلماء من فهم العلاقة بين كتلة الكواكب، والجاذبية الخاصة بها وظروف النجوم التي تدور حولها. وربما تُقدم دروسًا مهمة حول مستقبل كواكب أخرى مشابهة في ظروف كهذه.

ختاماً، هذه الحالة الفريدة حقًا تُذكرنا بأن الكون مليء بالأسرار التي لا تنتهي، وأن فهم الظواهر غير التقليدية غالبًا ما يكشف حوله مزيداً من الألغاز والتحديات، ليظلّ الإنسان دائمًا متشوقًا لمعرفة المزيد عمّا يدور في أعماق الفضاء الخارجي الذي مازلنا نكتشف أسراره يوماً بعد يوم.

ذو صلة