كيف ستحول الأتمتة البشر الى مجرد مشرفين وعمال!؟

3 د
يصرح علي غودسي بأن الوظائف البشرية ستتطلب الإشراف على الذكاء الاصطناعي، لا استبداله بالكامل.
غودسي يوضح أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى الإشراف البشري بسبب تعقيدات المهام.
يوضح أن الذكاء الاصطناعي لن يلغي البشر بل سيكمل عملهم عبر تقنيات مساعدة.
يؤكد غودسي على أهمية تدريب الموظفين لتحسين التأقلم مع التكنولوجيا المتقدمة.
الذكاء الاصطناعي سيحرر الموظفين من الروتين ليركزوا على المهام الإبداعية والتحليل.
في عالم يكثر فيه الحديث عن الذكاء الاصطناعي بطريقة متطرفة، يخرج علينا علي غودسي، الرئيس التنفيذي لشركة Databricks، برسالة أكثر واقعية تلامس تجارب الشركات ومخاوف الموظفين معًا. برؤية تبدو منصفة للجميع، يصرح غودسي بأن "النّاس يقلّلون من صعوبة أتمتة المهام بنسبة 100%، وفي المستقبل القريب، سيكون على البشر لعب دور المشرفين على فرق من المساعدين الرقميين."
تحمل هذه الأفكار أهمية كبرى لأن غودسي ليس مجرد متحدث عادي عن الذكاء الاصطناعي؛ فهو يدير شركة تقدّر قيمتها بنحو 62 مليار دولار، وتُقدم خدمات البيانات والذكاء الاصطناعي لأكثر من 15 ألف شركة حول العالم، من بينها شركات عملاقة مثل Shell وComcast وRivian.
حديث غودسي الجريء يكسر المتداول بخصوص مخاوف الاستغناء عن البشر بسبب الذكاء الاصطناعي أو المبالغة في التفاؤل حول "الثورة الوظيفية". فهو يعتبر التكنولوجيا مثل "فريق من المتدربين الموهوبين الذين يخطئون، مما يفرض بالضرورة استمرار الإشراف البشري". هذه الصورة التي يقدّمها تبدو منطقية، وتعكس واقعًا نراه اليوم؛ فالأنظمة الذكية قد توفّر الوقت والجهد لكنها تحتاج استمرارية التوجيه والمتابعة.
وهذا التصور يتوافق مع مواقف كبار اللاعبين في مجال التكنولوجيا مؤخراً. فقد أكد سام ألتمان المدير التنفيذي لشركة OpenAI نفس الفكرة عندما وصف أنظمة الذكاء الحالية بأنها "كموظف صغير يجيد المهام الروتينية ولكنه بحاجة إلى مراقبة وتوجيه من البشر في الأمور الأكثر تعقيداً". وأيضاً شركة Klarna التي مكّنها الذكاء الاصطناعي من التعامل مع حمولة عمل توازي 700 موظف، لكنها حافظت على مشرفين بشريين لإدارة الأمور المفصلية والحالات المعقدة.
هذه المعادلة بين الإنسان والتكنولوجيا يشرحها غودسي عبر مثال منطقي ويُستوعب بسهولة، وهو "قطاع الطيران". على الرغم من وجود أنظمة القيادة الآلية داخل الطائرات منذ عشرات السنين، ما تزال شركات الطيران تحتفظ دوماً بطيارين اثنين للحالات الطارئة، لأن الوصول إلى أعلى درجات الأمان والثقة "مسألة بالغة التعقيد وتزداد تعقيداً عند الاقتراب من الكمال"، وفق وصفه.
وعند إسقاط ذلك على عالم الشركات، تبدو التحديات المشابهة واضحة. فبحسب دراسات حديثة لمؤسسات مثل Patronus AI، فإن ذكاء الأنظمة الإلكترونية يتناقص مع زيادة التعقيد وعدد الخطوات في إجراءات العمل، مما يجعل وجود الإنسان أمراً لا غنى عنه، خصوصاً في عمليات مثل الماليّة أو الرعاية الصحيّة، التي لا تحتمل ولو نسبة هامش صغير من الخطأ.
وهذا يربط بين نظرة غودسي والوضع الواقعي لما يحدث داخل الشركات التي استفادت من تقنيات الذكاء الاصطناعي.
لذلك، تنظر الشركات اليوم لتقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل عملي أكثر عبر استخدامها كأدوات مساعدة و"مكمّلة" لعمل الموظف البشري وليس كأداة استبدال تامة للإنسان. في هذه السيناريوهات، يتحرر الموظفون من الروتين ويقضون وقتهم في التركيز على مهام تتطلب الذكاء الإنساني، مثل التخطيط الاستراتيجي والتحليل الإبداعي، مع ضرورة وجود الرقابة البشرية في كل خطوة لضمان جودة النتائج وتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية.
الخلاصة أن الذكاء الاصطناعي – على الأقل في المستقبل المنظور – لن يلغي الدور البشري كما يروج الكثيرون. بدلاً من ذلك، تتحول الأدوار الوظيفية من التنفيذ الروتيني إلى الإشراف والتوجيه الذكي، ما يعني تدريباً أوسع على مهارات جديدة؛ مثل التأقلم مع التكنولوجيا المتقدمة، وفهم حدود وقدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي، والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة في لحظات التعقيد.
وبالنظر للطريقة التي قدّم بها علي غودسي هذه الاستنتاجات القيمة، يمكن القول إنه من الحكمة إعادة تركيز النقاش العام حول الذكاء الاصطناعي بعيداً عن الخيال السلبي أو المفرط في التفاؤل، والتوجه نحو تعزيز الدور الإنساني عن طريق تطوير مهارات الموظفين بفعالية أكبر.
هذا التحوّل في الخطاب حول الذكاء الاصطناعي يأتي كنداء واقعي ضروري، نحتاج من خلاله أن نغير من نظرتنا المستقبلية للوظائف والمهارات المطلوبة، بحيث يكون الهدف هو التكيف الإيجابي مع التقنية بدلاً من الخوف منها أو التصارع معها. وإذا ما أخذنا تجربة صناعة الطيران كمثال يحتذى به، قد تكون مقاربة الإشراف البشري المستمرة على الذكاء الاصطناعي هي المسار الأكثر واقعية واستدامة في الفترة المقبلة.