محبوس في قطرة زمن.. كائن عمره 16 مليون سنة يدهش علماء العصر الحديث

3 د
اكتشف العلماء حفرية نادرة لنمل "التراب" داخل عنبر عمره 16 مليون سنة.
أظهرت النملة المكتشفة قدرة عالية على التخفي باستخدام دروع ترابية.
كشفت تقنيات حديثة تفاصيل دقيقة عن الحفرية مثل الأسنان والفكين.
تحدى الاكتشاف النظريات السابقة حول حجم أسلاف "نمل التراب".
تشير الدراسة إلى وجود ممرات برية قديمة بين الكاريبي وأمريكا الوسطى والجنوبية.
في بعض الأحيان تتحول الكنوز إلى مفاجآت مذهلة لا تأتي أبدًا في الحسبان؛ تخيل مثلًا نملة صغيرة مغطاة بالكامل بمادة العنبر الثمينة منذ حوالي 16 مليون سنة، ليجدها الباحثون أخيرًا بعد كل هذه العصور وتسرد لنا حكايات من الماضي العميق عن حياة كانت تزدهر في منطقة الكاريبي قبل ملايين السنين.
اكتشاف غير متوقع يثير دهشة العلماء
اكتشف فريق بحثي تابع لمعهد نيوجيرسي للتكنولوجيا (NJIT) حفرية نادرة جدًا لنوع من النمل يُعرَف بـ "نمل التراب" محفوظة بشكل مدهش داخل قطعة من العنبر الدومينيكاني يبلغ عمرها حوالي 16 مليون عام. هذا النوع لم يكن معروفًا سابقًا وأطلق عليه الباحثون اسم "Basiceros enana"، ليتميز هذا الاكتشاف كأول حفريات يتم تسجيلها لهذا النوع في تلك المنطقة من العالم، نُشرت النتائج في مجلة Proceedings of the Royal Society B.
الحجم الصغير والمعلومات الكبيرة التي يخفيها
كانت هذه النملة قد ظهرت صغيرة جدًا في الحجم، إذ يبلغ طولها حوالي خمسة ملليمترات فقط، ورغم صغر حجمها هذا، إلا أنها قدمت دلائل ثمينة عن مسار تطور هذه الكائنات. تتسم تلك النملات بمهارة استثنائية في التخفي والحماية؛ فقد اعتادت تأسيس دروع ترابية، من خلال شعيرات دقيقة تغطي جسمها بالكامل، تسمى هذه الظاهرة "التخفي" أو "crypsis"، والغريب أن النملة المكتشفة احتفظت بكل تفاصيل هذه الظاهرة، مما يشير إلى أن أساليب دفاعية مماثلة كانت قد تطورت منذ ملايين السنين وليس حديثًا كما كنا نتصور.
تقنيات حديثة ونتائج مثيرة
ساعد استخدام تقنية الماسح الضوئي الدقيق (Micro-CT) والتصوير ثلاثي الأبعاد في فحص تفاصيل الحفرية بعناية بالغة، حيث كُشفت تفاصيل في غاية الدقة كالفك السفلي المزود بـ 12 سنًا مثلثي الشكل، ورأسها الذي يشبه إلى حد كبير شكل شبه منحرف، بالإضافة إلى طبقتين من الشعيرات الدقيقة التي كانت تلتصق بها التربة والأوساخ للتمويه الفعال. والأسنان الظاهرة في فكيها تؤكد بشكل جلي أنها كانت مفترسًا نشطًا في بيئتها القديمة.
مفاجأة تتحدى النظريات السابقة
والمثير للاستغراب في الاكتشاف أنه جاء على عكس ما كان يعتقده العلماء في السابق، حيث كان كثير من المختصين يتوقع أن أسلاف "نمل التراب" كانت كبيرة الحجم ثم صارت أصغر مع مرور الزمن، لكن ما كشفت عنه هذه الحفرية هو عكس ذلك تمامًا، إذ أن النمل القديم كان أقل حجمًا بكثير من الأنواع التي تعيش اليوم.
في هذا الصدد، أوضح جيانبيرو فيورنتينو، الباحث المشارك والقائم الرئيسي على هذه الدراسة:
"النتائج جاءت معاكسة تمامًا للتوقعات السابقة، وأكدت أهمية الأحافير في فهمنا لتطور كائنات كهذه"
دلائل هامة حول الهجرة وانقراض الأنواع في الكاريبي
هذا النوع من النمل الذي اكتشف في العنبر الكاريبي أشار بوضوح إلى أن منطقة الكاريبي قد احتوت يوماً ما على كائنات عاشت حصرياً فيما بعد في أمريكا الوسطى والجنوبية. من جانبه، قال البروفيسور فيل باردن من معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا والباحث المشارك في الدراسة:
"هذا الاكتشاف يقدم دليلاً مقنعاً على التاريخ التطوري المعقد الذي شهدته الحياة على كوكبنا".
كما تشير الدراسة إلى إمكانية وجود ما يسمى "الممرات البرية القديمة" التي أتاحت في الماضي لهكذا مجموعات من النمل السفر والانتقال نحو الجزر الكاريبية. أما عن سبب انقراض هذه الأنواع في الجزيرة خاصةً، فيرى الباحثون أن تغير العوامل البيئية، وانهيار حالات التوازن في الطبيعة، أو حتى المنافسة مع أنواع أخرى، قد تكون الأسباب المباشرة لاندثار هذه النملات في منطقة الكاريبي.
دروس من الماضي لمستقبل أكثر استدامة
وأشار فيورنتينو إلى أن الجزيرة الحالية للجمهورية الدومينيكانية قد فقدت أكثر من ثلث المجموعات المعروفة سابقًا من النمل منذ زمن تكوين العنبر الدومينيكاني، وأكد أنه "من الممكن أن يساعدنا فهم هذا الماضي على حماية تنوعنا الحيوي الحالي من الأخطار التي تحدق به نتيجة التغير المناخي وضغوط الأنشطة البشرية".
وهكذا، بين قطعة صغيرة من العنبر عمرها الملايين من السنين وبين نملة متناهية الصغر محفوظة داخلها، تتكشف لنا قصة مذهلة عن تاريخ كوكبنا، وتقدم دروسًا قيمة تساعدنا ربما في الحفاظ على ما تبقى لدينا من تنوع على الأرض.