من دون قوانين ولا قيود.. ترامب يمنح الذكاء الاصطناعي شيكًا على بياض

3 د
تسعى خطة الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي لمنع القوانين المحلية حول الذكاء الاصطناعي.
تتضمن الخطة ضخ المليارات في تكنولوجيا الأسلحة الذكية والطائرات المسيرة.
يثير هذا القلق حول تسليط الأولوية نحو الشركات التقنية الكبرى على حساب المواطن.
يعترض بعض السيناتورات الجمهوريين على الحظر، مما قد يؤخر تمريره في مجلس الشيوخ.
تواجه أمريكا خيارين: السيطرة الاستراتيجية أو الريادة المسؤولة في الذكاء الاصطناعي.
تخيل أن تجد نفسك فجأة في عالم تسيطر عليه التكنولوجيا، لكن بدون لوائح واضحة تنظم استخدامات هذه التكنولوجيا في حياتنا اليومية، بدءاً من التحكم الطبي وانتهاءً بالأسلحة العسكرية. هذا تحديداً ما تهدف إليه خطة الموازنة التي دفع بها الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي مؤخراً، بالتنسيق مع إدارة دونالد ترامب.
تحت بنود هذه الخطة، يتم منع الولايات الأمريكية من سن قوانين محلية لتنظيم الذكاء الاصطناعي لمدة عشر سنوات قادمة. أي أننا سنشهد توقفاً شبه كامل في القوانين التي تكافح الممارسات الخطرة مثل استخدام تقنية "التزييف العميق" في السباقات السياسية أو حتى القرارات الطبية المؤتمتة التي ترفض بعض المطالبات الصحية تلقائياً اعتماداً على خوارزميات معدة مسبقاً.
لكن المفارقة الكبيرة أن هذه الخطة التي ترفض ضبط عمل الشركات التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي، تسعى بالمقابل إلى ضخ المليارات في مشاريع مرتبطة بتكنولوجيا الأسلحة الذكية والطائرات المُسيّرة، كتلك الطائرات "الانتحارية" التي لفتت الأنظار مؤخراً في ميادين الحرب بأوكرانيا، مما يزيد من التساؤلات حول أولويات الإدارة الأمريكية وهل هي حقاً في صالح المواطن أم الشركات التقنية الكبرى؟
وهذا ينقلنا بشكل مباشر لما حدث مع عدد من البرامج الحكومية السابقة التي اعتمدت الذكاء الاصطناعي للكشف عن حالات الغش أو الأخطاء المالية؛ إذ يرى متخصصون كُثر أن هذه التقنيات لا تزال مليئة بالأخطاء، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة حين تُستعمل لتقليص خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمحتاجين أو إلغائها، كما حصل بالفعل سابقاً في ولايتي أركنساس وتكساس الأمريكيتين.
وبينما يبرر أعضاء مجلس النواب الجمهوري هذه القرارات بأنها تهدف إلى حماية الابتكار وتمكين الشركات الناشئة الصغيرة من المنافسة ضد الشركات العملاقة مثل "غوغل" و "أوبن أيه آي"، تُبدي جمعيات حماية المستهلك ومراكز بحثية مختصة قلقها من أن هذه التدابير تعمل كدرع للشركات التقنية الكبيرة وتحرم الولايات من فرصة فرض قيود أساسية لضمان الاستخدام المسؤول والشفاف لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
وقد تكون جملة المسؤولين الأمريكيين ورؤساء الشركات التقنية حول أهمية دعم "الهيمنة الأمريكية عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي" ضمن الأسباب التي تدفع بهذا النوع من التشريعات. فمع الدعم المالي الكبير لوزارة الدفاع والقطاعات الأمنية الأمريكية، يتضح أن الإدارة الحالية ترى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجالاً يحتاج ضبط ورقابة بقدر ما هو مجال يجب الإسراع والاستثمار فيه لغرض السيطرة الإستراتيجية والتفوق العسكري.
وبعيداً عن الجدل المحتدم بين مؤيدي ومعارضي خطة الجمهوريين، ما تزال هنالك توقعات واضحة بأن لا تمرر هذه البنود بسهولة عند مجلس الشيوخ، الذي يفرض قواعد أكثر صرامة لتركيز القانون على الشؤون المالية والموازنة فقط. فعلى الأرجح، سيعارض هذه البنود عدد من الأعضاء الجمهوريين أنفسهم، بمن فيهم السيناتور جوش هاولي، كما يرجح مراقبون قانونيون أن هذا الحظر قد يتعرض للحذف أو التعديل لاستيفاء المتطلبات القانونية الدقيقة المعمول بها في مجلس الشيوخ.
وبالمحصلة، نجد أن أمريكا تقف اليوم في مفترق طرق؛ إما أن تسعى لصياغة أطر واضحة تضمن تطبيقاً عادلاً ومسؤولاً للذكاء الاصطناعي، أو تغامر بأن تصبح ضحية لجموح هذه التقنيات التي قد تتحول بشكل غير مقصود إلى خطر حقيقي على خصوصية المواطنين وحقوقهم الأساسية. قد يكون مفيداً، في النهاية، استبدال مفهوم "الهيمنة" بمفهوم أكثر توازناً كـ"الريادة المسؤولة"، مع توضيح أكبر للمعايير الأخلاقية وحدود الاستخدام ومراعاة مصالح كافة فئات المجتمع.