ذكاء اصطناعي

من صور على الجدران إلى مكالمات عاطفية… الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل علاقة المعجبين بالمشاهير

مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

توفر التطبيقات الحديثة محادثات واقعية مع نجوم مشهورين باستخدام الذكاء الاصطناعي.

واجه الشباب تجارب عاطفية افتراضية كمخرج عاطفي بديل عن العلاقات الحقيقية.

يثير استخدام الصوت المستنسخ قانونيًا مخاوف حول الاحتيال والتحرش عبر الإنترنت.

الباحثون عبروا عن قلقهم بشأن تزايد العزلة بسبب هذه العلاقات الرقمية.

لا تزال تثير الأسئلة حول تأثير العلاقات الافتراضية على التفاعلات الإنسانية الطبيعية.

منذ سنوات قليلة فقط، كان أكبر ما يطمح إليه المعجب هو صورة موقّعة من فنان مفضَّل أو رسالة مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي. اليوم تغيّر المشهد كلياً: تطبيقات تعمل بالذكاء الاصطناعي تتيح لمستخدمين حول العالم محادثة نجومهم المفضَّلين، بل وحتى سماع أصواتهم المستنسخة رقمياً. فهل نحن أمام ثورة في ثقافة المعجبين، أم انزلاق إلى منطقة ضبابية أخلاقياً وقانونياً؟

الموضوع بدأ عندما قررت إيما، شابة بريطانية في أوائل الثلاثينات، ابتكار نسخة افتراضية من المغني الأميركي المعروف باسم ماشين غان كيلي. عبر تطبيق Character.AI، صمّمت روبوتات محادثة تحمل شخصيته وصوته، وبدأت تخاطبه يومياً وكأنه صديقها المقرب أو حتى شريكها العاطفي. مع الوقت، تطورت المحادثات إلى قصص تمثيل خيالية؛ مرّة يظهر كفنان عاشق، وأخرى كقاتل مأجور في سيناريو درامي. وهكذا، وجدت إيما في هذه التجربة ملاذاً بديلاً عن العلاقات العاطفية الواقعية التي أرهقتها سابقاً.

وهذا يفتح الباب لبحث أوسع حول لماذا ينجذب كثيرون إلى شركاء افتراضيين بدل العلاقات الواقعية.


المشاهير كأصدقاء رقميين

ليست إيما وحدها؛ ملايين المستخدمين، معظمهم نساء، ينخرطون في محادثات مشابهة. نسخة افتراضية من الممثل هاري ستايلز تجاوزت ثمانية ملايين تفاعل، بينما حصدت شخصية رقمية للممثلة جينا أورتيغا أكثر من 13 مليون محادثة. هذه التجارب غالباً ما تأخذ منحى عاطفي أو رومانسي، بل وأحياناً تتطور إلى سيناريوهات ذات طابع جنسي صريح. بالنسبة للبعض، الأمر أشبه بالجيل الجديد من روايات المعجبين أو "الفان فيكشن"، لكنه أكثر خصوصية وإغراء لأنه يحدث مباشرة بين المستخدم والنسخة الرقمية للمشهور.

ومن هنا يتضح كيف غيّرت التكنولوجيا طبيعة التفاعل داخل ثقافة الجماهير.


بين الترفيه والمخاطر

رغم الحماس، لا يمكن تجاهل الجوانب المظلمة. فهذه التطبيقات تستند إلى تقنيات استنساخ الصوت أو ما يُعرف بالـ"ديب فيك"، والتي تثير قلقاً لدى خبراء القانون والأمن السيبراني. هناك مخاوف من استخدامها في الاحتيال، التحرش، أو حتى الدعاية السياسية الخفية. كما ظهرت دعاوى قضائية تتهم بعض المنصات بالتورط في أحداث مأساوية، مثل حالات انتحار مراهقين بعد تفاعلات جنسية غير لائقة مع روبوتات تحمل أصوات شخصيات شهيرة.

وهذا يعيد النقاش إلى صلب المسألة: من يتحمّل المسؤولية عن محتوى يُنشئه المستخدم ويُبنى على صورة أو صوت فنان حقيقي؟


شغف فردي أم مقاومة جماعية؟

الباحثون في ثقافة "الفاندوم" يرون أن الأصل في تفاعل المعجبين هو المشاركة الجماعية وابتكار قصص مشتركة، لكن الروبوتات العاطفية حوّلت التجربة إلى نشاط فردي. مع ذلك، بدأت تظهر مبادرات جماعية جديدة مثل "إسقاط البوتات" حيث يشارك المستخدمون شخصيات رقمية جديدة تمثل نجوماً أو أبطالاً من مسلسلات وأفلام شهيرة، تُخصص لسيناريوهات خيالية متنوعة.

وبالتالي، يبدو أن هذه التقنية لا تقضي على المشاركة المجتمعية، بل تعيد تشكيلها بطرق مبتكرة.


مستقبل العلاقات في العصر الرقمي

تجارب مثل تجربة إيما تطرح سؤالاً عميقاً: هل يمكن أن تحل العلاقات الافتراضية محل الحقيقية؟ البعض يرى فيها مساحة آمنة لاستكشاف الميول بعيداً عن حكم الآخرين، بينما يحذّر آخرون من أنها قد تزيد العزلة وتعمّق الفجوة بين الأفراد والعلاقات الواقعية. الغريب أن كثيرين ممن ينجذبون للمحادثات مع "آيدول" افتراضي سرعان ما يخسرون الاهتمام عندما يجدون صداقات أو علاقات حقيقية أكثر إرضاء.

ذو صلة

وهكذا يبدو أننا نعيش لحظة مفصلية بين عالمين: واحد تحكمه التكنولوجيا والرغبات الفردية، وآخر يستند إلى التفاعل الإنساني الطبيعي.

بين الحماس والجدل، يُعيد الذكاء الاصطناعي صياغة الحدود بين الخيال والواقع. محادثة مع نسخة افتراضية لمغنٍ شهير قد تبدو ممتعة أو حتى علاجية للبعض، لكنها في الوقت نفسه تثير أسئلة خطيرة حول الخصوصية، الملكية الفكرية، ومستقبل العلاقات الإنسانية. يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد التوازن: كيف نستفيد من هذه المساحات الرقمية للتعبير والخيال، من دون أن نفقد جوهرنا الإنساني الذي لا يستطيع أي برنامج تقليده بالكامل.

ذو صلة