ذكاء اصطناعي

ناسا تكشف الحقيقة: المذنب الغامض ليس من صنع كائنات فضائية

محمد كمال
محمد كمال

3 د

ناسا تنفي بشدة فرضية المذنب المصنع من حضارة خارجية.

المذنب "3I/أطلس" له خصائص مذنبية تقليدية رغم بعض السلوكيات غير النمطية.

الفرضيات الغريبة تشجع على تحدي التصورات والكسل العلمي دون دليل ملموس.

تحليل "أطلس" يكشف عن فرصة لدراسة المواد القادمة من الفضاء البعيد.

المذنب سيسير بمحاذاة المريخ والمشتري دون تهديد للأرض.

وسط اهتمام عالمي بقصة تدعو للدهشة، خرجت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية "ناسا" مؤخراً لتنفي بشكل قاطع فرضية اقترحها عالم فلك من جامعة هارفارد أفادت بأن المذنب المكتشف حديثاً ربما يكون صُنع من قِبل حضارة غريبة خارج مجموعتنا الشمسية. فما القصة وراء هذا الجرم السماوي الاستثنائي، ولماذا أثار زوبعة جدل كبيرة بين العلماء والجمهور؟

كل شيء بدأ مع مذنب 3I/أطلس، الجسم النادر الذي تم رصده وهو يقترب من مجموعتنا الشمسية في الأول من يوليو بواسطة منظومة المراقبة الفلكية أطلس في تشيلي. أهمية هذا المذنب تكمن أولاً في أنه ثالث جرم فضائي فقط معروف حتى الآن يدخل من الفضاء بين النجوم إلى المنطقة المحيطة بنا، وهي مناسبات فلكية تتكرر على فترات بعيدة.

لكن الجدل الحقيقي بدأ مع ورقة بحثية نشرها البروفيسور آفي لوب، مدير "مشروع غاليليو" لهارفارد، الذي يقود أبحاثاً جادة في احتمال وجود حضارات أخرى خارج الأرض، واقترح فيها سيناريو مبالغاً فيه إلى حد ما: ماذا لو كان هذا الجرم، في حقيقة الأمر، حامل رسالة أو جسماً تكنولوجياً من حضارة ذكية بعيدة؟

استند لوب في فرضيته إلى غياب الذيل الغازي المعتاد الذي يخلفه المذنب أثناء تحركه قرب الشمس، وإلى مسار المذنب الذي بدا "غير تقليدي"، مشيراً لإمكانية أن يكون هذا المذنب قطعة تقنية أُرسلت عمداً إلى داخل مجموعتنا الشمسية. ومضى أبعد من ذلك في إحدى تدويناته مشيراً لاحتمال أن يكون المذنب بصدد إجراء مناورة خفية خلف الشمس، قبل الانطلاق نحو الأرض "بنية شريرة". بالطبع لم يدّع لوب بأنه يؤمن بهذا السيناريو، بل اعتبره طرحاً لتحدي التصورات المسبقة والكسل العلمي.

هنا تتضح أهمية التدقيق العلمي والحذر في نشر الفرضيات. فقد كان رد ناسا حاسماً – عبّر عنه توم ستاتلر، كبير علماء الأجرام الصغيرة في نظامنا الشمسي – حين قال:


"يبدو كمذنب، ويتصرف كمذنب، ولا يختلف كثيراً عن المذنبات التي نعرفها"

بيانات الرصد بالمناظير الأرضية والفضائية، وصور تلسكوب هابل، تشير جميعاً إلى أن الجرم له صفات مذنبية معتادة: يتكوّن من جليد وغبار، ويتفاعل مع حرارة الشمس بشكل مماثل لغيره من المذنبات، حتى وإن أظهر بعض الخصائص غير النمطية بسبب مصدره بين النجوم.

وهذا يقودنا إلى جانب مهم آخر، فحتى في مجموعتنا الشمسية تظهر المذنبات سلوكيات مفاجئة بين الحين والآخر، مثل اللمعان الفجائي أو تغيّر الذيل عند تبخر جيوب محددة من الجليد في داخلها. ويعلّق ستاتلر: "الخصائص غير المتوقعة ليست نادرة على المذنبات، بل هي فرصة إضافية لدراسة المزيد عن تكوين الأجرام القادمة من الفضاء السحيق". فالتقنية الجديدة التي سمحت لنا مؤخراً باكتشاف مثل هذه الزوار بين المجرات تفتح نافذة لم نكن نحلم بها لمعرفة طبيعة المواد والكيمياء خارج النظام الشمسي.

رغم ذلك، أكد العلماء في ناسا أن مذنب أطلس لن يقترب من الأرض أكثر من 170 مليون ميل خلال الأشهر القادمة، وأنه في طريقه ليعبر بالقرب من المريخ ثم كوكبي المشتري والزهرة، دون أي تهديد على كوكبنا. الأهم من هذا كله أن الحدث العلمي هنا يكمن في القدرة البشرية الحديثة على اكتشاف وتتبع هذه الأجسام العابرة، ودراسة أصولها وخواصها، بدلاً من الانجراف وراء تصورات خيالية قد تبدو مثيرة لكنها لا تستند إلى دليل ملموس.

ذو صلة

ومع عودة الجدل إلى نقطة البداية، يرى لوب نفسه أن "الفرضية البسيطة هي أن 3I/أطلس مجرد مذنب"، وأن المغزى العلمي يكمن في بقاء الفضول والانفتاح على الاحتمالات، دون فقدان التوازن بين الخيال والشواهد العلمية. فكما يقول: لنتعلم أن نحتفظ بفضولنا الطفولي، ونبحث عن البرهان بدلاً من الاكتفاء بإجابات جاهزة.

في الختام، يثبت هذا الجدل الذي انتشر بسرعة بين الجهات البحثية والعامة أن العلماء في زمن الاكتشافات الكبرى يقفون دوماً على الحد الفاصل بين واقع علمي صارم وخيال لا حدود له، وأن كل نافذة تُفتح على الفضاء السحيق تصبح دعوة جديدة للدهشة والمزيد من الأسئلة عن مكاننا في الكون.

ذو صلة