هل بناها أحد؟ نسيج حجري غامض يظهر على سطح المريخ

3 د
اكتشفت مركبة "كيوريوسيتي" تشكيلات صخرية تشبه الشبكات على سطح المريخ.
يعتقد العلماء أن هذه التكوينات تشكلت عن طريق عمليات جيولوجية بوجود مياه جوفية.
واجهت "كيوريوسيتي" عقبات أثناء الحفر بسبب حصوة صغيرة تحت العجلة.
تخطط ناسا لتحريك المركبة قليلاً لتحرير العجلة واستئناف تجربة الذراع الآلية.
يمكن أن يعيد اكتشاف المياه الجوفية كتابة تاريخ المريخ الجيولوجي.
هل تخيلت يوماً أن كوكب المريخ قد يخفي بين تضاريسه شبكات صخرية غريبة تشبه بيوت العنكبوت؟ هذا بالضبط ما كشفت عنه مؤخراً المركبة الفضائية كيوريوسيتي التابعة لوكالة ناسا، في اكتشاف أثار دهشة وحيرة العلماء منذ اللحظة الأولى.
اكتشفت المركبة "كيوريوسيتي" تشكيلات صخرية مُعقدة أشبه بشبكات أو خيوط متداخلة ضمن منطقة فوهة "غيل" على سطح المريخ. المثير للاهتمام أن هذه التكوينات كانت قد شوهدت سابقاً عبر صور التقطها مسبار استطلاع المريخ عام 2006، إلا أن التفاصيل الدقيقة ظلت مجهولة حتى اقتربت منها مركبة كيوريوسيتي مؤخراً.
تُعرف هذه التراكيب على كوكب الأرض بـ"بوكس وورك" Boxwork، وهي شبيهة بأنماط شبكية تتشكل عندما تترسب معادن معينة من المياه الجوفية في شقوق الصخور، ثم مع مرور الوقت تتآكل الصخور الهشة لتترك خلفها بنية مُعقدة وهشة تشبه الشبكة الحجرية. يرجح فريق العلماء في ناسا أن هذه البنية المكتشفة على سطح المريخ ربما تكون قد تكونت نتيجة عمليات جيولوجية مشابهة، مما يشير إلى وجود مياه جوفية في الماضي كانت نشطة بصورة دائمة وأكثر تعقيداً مما كان يُعتقد سابقاً.
ورغم أهمية دراسة هذه التشكلات عن قرب، واجهت كيوريوسيتي عقبة مفاجئة: عجلة المركبة وقعت على حصاة صغيرة مما زاد من خطر انزلاقها، وبالتالي اضطرت ناسا لوقف استخدام الذراع الآلية حالياً والاكتفاء بعمليات التقاط الصور وتحليل البنية الصخرية عن بُعد. وبدلاً من أخذ عينات مباشرة، يعتمد العلماء اليوم على الأجهزة البصرية والكيميائية عن بُعد الموجودة على المركبة مثل كاميرا "ماست كام" وأداة الليزر "كيم كام"، والتي تُحلل التركيب الكيميائي عن بُعد بدقة عالية.
وفي ظل هذه الظروف، تستمر مجموعة من القياسات المُناخية والجوية بانتظام، منها مراقبة كثافة الغبار ورصد الزوابع الترابية المعروفة باسم "Dust Devils". بالإضافة لذلك، يجري مهندسو المهمة اختبارات دورية على نظام التبريد الداخلي (نظام رفض الحرارة) الذي يحافظ على درجة حرارة المُعدات الإلكترونية المهمة داخل المركبة، خاصةً عندما تسير المركبة على تضاريس خطرة قد تؤثر على أدائها واستقرارها.
تخطط ناسا الآن لتحريك "كيوريوسيتي" إلى الخلف قليلاً نحو ثلاثين سنتيمتراً، بهدف إبعاد العجلة عن الحصى التي تحد من قدرتها على الحركة واستخدام الذراع الآلية بسهولة. بعد هذه المناورة، ستشرع المركبة أخيراً في استخدام أدواتها ذات الاحتكاك المباشر مع سطح الصخور مثل مقياس الطيف الضوئي للأشعة السينية وأداة التصوير المجهري "مالهي"، لفحص تركيبة الشبكة والتأكد من تشابهها فعلاً مع هياكل "بوكس وورك" الشهيرة على الأرض.
وقد يفتح تأكيد التشابه بين هذه التكوينات وبين الهياكل الأرضية مجالاً واسعاً لإعادة كتابة تاريخ المريخ الجيولوجي؛ لأنه سيُوفر أدلة واضحة على وجود المياه الجوفية وعملها المستمر، وهو أمر يُعزز الافتراضات بشأن الظروف التي ربما كانت مناسبة للحياة في الماضي القديم للكوكب الأحمر.
وحتى اكتمال الصورة واتضاح أسرار هذه الشبكة الغريبة، تبقى أنظار العلماء على البيانات التي تجمعها كيوريوسيتي، خاصة مع الاعتماد المتزايد على نظام اختيار الأهداف التلقائي المعروف بـ "AEGIS". وهو نظام ذكي يساعد المركبة في اختيار المواقع المثلى لأخذ بيانات التحليلات الكيميائية بين فترات التواصل الاعتيادية مع الأرض.
في الختام، إن وجود هذه التشكيلات التي تشبه "شبكة عنكبوتية حجرية" يضيف قطعة أخرى مُذهلة إلى أحجية المريخ المعقدة. ولعل هذا الاكتشاف يعزز ضرورة استمرار الاستثمار في تقنيات جديدة تسهل دراسة مثل هذه الظواهر الغامضة، كإرسال مركبات ذات حركة أكثر مرونة أو تطوير آليات مساعدة تمكن المركبات الحالية من تجاوز صعوبات كهذه بسهولة أكبر. وبينما تستمر عجلة العلم في الدوران على أرض الكوكب الأحمر، يترقب المتابعون بشغف الأخبار القادمة من بعيد، طامحين بأن يكشف لنا المريخ مزيداً من مفاجآته وأسراره التي لا تنتهي.