ذكاء اصطناعي

هل ينتهي الكون؟ أم أن النهاية مجرد وهم بشري صغير في اتساع عظيم؟

هل ينتهي الكون؟ أم أن النهاية مجرد وهم بشري صغير في اتساع عظيم؟
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

يتساءل العلماء عن حدود الكون وما إذا كان لا نهائيًا أم لا.

تاريخيًا، تم اكتشاف أن الكون يتمدد عبر ملاحظات إدوين هابل والتقنيات الحديثة.

تمتد منطقة الكون المرصود لـ 93 مليار سنة ضوئية، رغم أن عمره 13.

8 مليار سنة.

الشكل المُسَطَّح للكون يعني أن السير بشكل مستقيم لن يعودك إلى النقطة نفسها.

تزيد الطاقة المظلمة من غموض الكون، وتساؤلات العلماء حولها ما زالت قائمة.

حين ترفع عينيك ليلاً إلى السماء، وترى النجوم تتلألأ، قد تسأل نفسك سؤالاً من بداية الإنسانية تقريباً: هل هذا الكون الذي نعيش فيه محدود، أم أنه بلا نهاية؟ في الحقيقة، لست وحدك من تساءل عن هذا الأمر، فقد حاول كثير من الفلاسفة وعلماء الرياضيات والفلك في مختلف الحضارات وعلى مدى قرون عديدة تقديم الإجابات.

واليوم، وبعد مرور حوالي مئة عام من الاكتشافات العلمية الدقيقة، أصبح لدينا صورة أوضح كثيراً عن الكون، بفضل جهود علماء كبار، بدءاً من إدوين هابل في عشرينات القرن الماضي إلى وجود تلسكوبات فائقة التطور مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي حديث العهد. مع كل هذه التطورات، لا يزال التساؤل عن حدود الكون وإمكانية أن يكون لانهائياً قائمًا ومحيرًا.


نظرة تاريخية: كيف عرفنا أن الكون يتمدد؟

في بداية العشرينيات من القرن الماضي، كان الاعتقاد الأكثر شيوعاً بين العلماء أن الكون هو مجرد مجرة واحدة ضخمة؛ مجرتنا درب التبانة. لكن عالم الفلك الأمريكي إدوين هابل، مُستخدِماً تقنيات وتصويراً دقيقاً للنجوم النابضة التي تسمى "النجوم المتغيرة القيفاوية"، اكتشف أن السحب المرئية في الفضاء لم تكن مجرد غازات بسيطة قريبة منا، بل كانت في الحقيقة مجرات هائلة بعيدة وعوالم مستقلة بذاتها على غرار مجرتنا.

تغيّر فهمنا للعالم بعدها بسرعة. وبحلول عام 1929 أكد هابل اكتشافاً ثورياً آخر: المجرات ليست فقط كثيرة وبعيدة، بل إن جميعها يبتعد عن بعضها البعض وعنا، ما يعني أن الكون ذاته في حالة تمدد مستمر.

واليوم، نستخدم الظاهرة المعروفة باسم "الانزياح نحو الأحمر" لقياس حركة الكون. تخيل معي أنك تسمع صوت سيارة إسعاف تقترب منك ثم تبتعد، ستلاحظ أن الصوت يبدو وكأنه يرتفع عندما تقترب وينخفض عندما تبتعد. نسبياً، يحدث شيء مشابه مع الضوء القادم من المجرات؛ الضوء القادم نحونا يميل للزرقة، بينما يميل ضوء المجرات التي تبتعد عنا إلى اللون الأحمر. من هنا استنتج العلماء بوضوح أن المجرات تتحرك مبتعدة عنا، وأن الفضاء بين هذه المجرات يتوسع باستمرار.


لكن ما حجم كوننا على وجه الدقة؟

إليك حقيقة قد تكون محبطة قليلاً: تقول سارة ويب، عالمة الفيزياء الفلكية بجامعة سوينبرن الأسترالية:


"إنه من المستحيل علميًا بشكل تام أن نحدد الحجم الكامل للكون، أو أن نعرف إن كان ثابتًا ومحدودًا أو لانهائيًا بشكل مطلق"

لكن رغم ذلك، استطعنا تحديد ما يُسمى بـ "الكون المرصود"؛ وهو المنطقة التي نستطيع رؤيتها أو رصد الضوء الصادر منها. يمتد الكون المرصود لما يوازي 93 مليار سنة ضوئية كاملة، بالرغم من أن عمره يُقدر بحوالي 13.8 مليار سنة فقط. قد تسأل عن الفرق الكبير بين الرقمين، والإجابة تكمن في أن الفضاء يتوسع بسرعة، وأن الضوء الذي وصلنا اليوم هو ضوء انطلق قبل زمن بعيد وقطع مسافات تمددت بمرور الوقت بسبب توسع الفضاء، ما يعني أن المسافة التي نجح هذا الضوء في قطعها ليصل إلينا تزيد عن عمره الفعلي.


هل الكون مسطح مثل ورقة؟

يعتقد العلماء حالياً وبحسب جميع الأدلة الموجودة لديهم، أن شكل الكون مسطح. ربما تسأل هنا: ماذا يعني "مسطح"؟ ببساطة، هذا يعني أن السير في خط مستقيم في الكون لن يعيدك إلى نفس النقطة أبداً، وأن الكون لا يتخذ شكلاً يتحول إلى حلقة أو كروي أو مقوس، وإنما يشبه ورقة مسطحة بلا نهاية من كل الجوانب.


التحدي الكبير: ما هي سرعة تمدد الكون؟

حالياً، تتراوح تقديرات سرعة تمدد الكون بين 65 إلى 75 كيلومترًا في الثانية لكل ميغابارسيك (Mpc هو وحدة لقياس المسافات الفلكية، ويعادل حوالي 3.26 مليون سنة ضوئية). ورغم هذا الرقم الدقيق نسبياً، إلا أن هناك مشكلة تعرف علمياً بـ "توتر هابل"؛ وهي الاختلاف بين القياسات التي تعتمد منظومات قياس مختلفة.

من ناحية، هناك حسابات تعتمد على قياس الضوء القادم من النجوم القريبة نسبيًا، وتقدر المعدل بنحو 73 كيلومتراً لكل ثانية، وهناك قياسات أخرى تعتمد على تحليل "الخلفية الكونية الميكروية"، وهي الإشعاع المتبقي من الانفجار العظيم، وتضع الرقم نحو 67 كيلومتراً في الثانية لكل ميغابارسيك.

هذا الاختلاف سبب حيرة بين العلماء، وحتى اليوم لم يتم التوصل إلى تفسير يوضح سبب هذا الاختلاف؛ هل هو مجرد خطأ في الحسابات، أم أننا بحاجة إلى النظرية الفيزيائية الجديدة؟


الطاقة المظلمة: السر الأكبر!

يزداد الغموض حين نتحدث عن "الطاقة المظلمة"، تلك القوة الغامضة التي تعمل على تسريع تمدد الكون. رغم محاولات العلماء لفهم طبيعتها، ما تزال هذه الطاقة مادة للدراسة والنقاش والتساؤلات المفتوحة أمام العلماء.

ذو صلة

لكن هذا النوع من الأبحاث العلمية المبهرة يحتاج إلى تمويل مستمر. على سبيل المثال، من المتوقع أن يكشف تلسكوب "نانسي رومان" الفضائي الجديد المخصص لدراسة الطاقة المظلمة بعض الأسرار، لكن مع وجود تهديدات بخفض ميزانية وكالة ناسا الفضائية، من الممكن أن يتوقف هذا المشروع الحيوي.

في النهاية، سيظل الكون يخفي الكثير من الأسرار والأسئلة غير المحلولة، وبينما ننظر إلى السماء ليلاً سنبقى نطرح نفس السؤال الأزلي: هل الكون لا نهائي فعلاً؟ ربما يوماً ما سيأتي العلم بإجابة، وربما لا. وحتى ذلك الحين، يُترك لنا الاستمتاع بجمال وغموض الكون من حولنا، وتقدير جهود آلاف العلماء الذين يحاولون فهم مكاننا في هذا الكون الشاسع الغامض.

ذو صلة